" صفحة رقم ٢٥٦ "
حالة ما شبه به وحالة من ارتضاه لنفسه فلذلك لم يقل : أيَتحمل أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، بل قال :( أيحب أحدكم ).
ومنها إسناد الفعل إلى ) أحد ( للإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك.
ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتّى جَعل الإنسان أخاً.
ومنها أنه لم يقتصر على كون المأكول لحم الأخ حتى جعل الأخَ ميتاً.
وفيه من المحسنات الطباق بين ) أيحب ( وبين ) فكرهتموه ).
والغِيبة حرام بدلالة هذه الآية وآثار من السنة بعضها صحيح وبعضها دونه.
وذلك أنها تشتمل على مفسدة ضُعف في أخوة الإسلام. وقد تبلغ الذي اغتيب فتقدح في نفسه عداوة لمن اغتابه فينثلم بناء الأخوة، ولأن فيها الاشتغال بأحوال الناس وذلك يلهي الإنسان عن الاشتغال بالمهم النافع له وترك ما لا يعنيه.
وهي عند المالكية من الكبائر وقلّ من صرح بذلك، لكن الشيخ عليّاً الصعيدي في ( حاشية الكفاية ) صرح بأنها عندنا من الكبائر مطلقاً. ووجهُه أن الله نهَى عنها وشنّعها. ومُقتضى كلام السجلماسي في كتاب ( العمل الفاسي ) أنها كبيرة.
وجعلها الشافعية من الصغائر لأن الكبيرة في اصطلاحهم فِعل يؤذن بقلة اكتراث فاعله بالدين ورقة الديانة كذا حدّها إمامُ الحرمين.
فإذا كان ذلك لوجه مصلحة مثل تجريح الشهود ورواة الحديث وما يقال للمستشير في مخالطة أو مصاهرة فإن ذلك ليس بغِيبة، بشرط أن لا يتجاوز الحد الذي يحصل به وصف الحالة المسؤول عنها.
وكذلك لا غيبة في فاسق بذكر فسقه دون مجاهرة له به. وقد قال النبي ( ﷺ ) لما استؤذن عنده لعُيينة بن حصن ) بئس أخو العشيرة ( ليحذّره من سمعه إذ كان عيينة يومئذ منحرفاً عن الإسلام.


الصفحة التالية
Icon