" صفحة رقم ٢٨٠ "
والإشارة بقولهم ) هذا شيء عجيب ( إلى ما هو جار في مقام مقالتهم تلك من دعاء النبيء ( ﷺ ) إياهم للإيمان بالرَّجْع، أي البعث وهو الذي بينتْه جملة ) أئذا متنا وكنا تراباً ( إلخ.
والاستفهام مستعمل في التعجيب والإبطال، يريدون تعجيب السامعين من ذلك تعجيب إحالة لئلا يؤمنوا به. وجعلوا مناطَ التعجيب الزمانَ الذي أفادته ( إذا ) وما أضيف إليه، أي زمنَ موتنا وكونِنا تراباً.
والمستفهم عنه محذوف دل عليه ظرف ) أئذا متنا وكنا تراباً ( والتقدير : أنرجع إلى الحياة في حين انعدام الحياة منا بالموت وحين تفتت الجسد وصيرورته تراباً، وذلك عندهم أقصى الاستبعاد. ومتعلقّ ( إذا ) هو المستفهم عنه المحذوف المقدَّر، أي نُرجَع أو نعود إلى الحياة وهذه الجملة مستقلة بنفسها.
وجملة ) ذلك رجع بعيد ( مؤكدة لجملة ) أئذا متنا وكنا تراباً ( بطريق الحقيقة والذِكر، بعد أن أُفيد بطريق المجاز والحذف، لأن شأن التأكيد أن يكون أجلى دلالة.
والرَّجع : مصدر رجَع، أي الرجوع إلى الحياة. ومعنى ) بعيد ( أنه بعيد عن تصور العقل، أي هو أمر مستحيل.
ردٌّ لقولهم :( ذلك رجع بعيد ( ( ق : ٣ ) فإن إحالتهم البعث ناشئة عن عدة شبه منها : أن تفرق أجزاء الأجساد في مناحِي الأرض ومهابّ الرياح لا تُبقي أملا في إمكان جمعها إذ لا يحيط بها محيط وأنها لو علمت مواقعها لتعذر التقاطها وجمعها، ولو جمعت كيف تعود إلى صورها التي كانت مشكَّلة بها، وأنها لو عادت كيف تعود إليها، فاقتصر في إقلاع شبههم على إقلاع أصلها وهو عدم العلم بمواقع تلك الأجزاء وذرّاتها.


الصفحة التالية
Icon