" صفحة رقم ٣٠١ "
والقرب هنا كناية عن إحاطة العلم بالحال لأن القرب يستلزم الإطلاع، وليس هو قربا بالمكان بقرينة المشاهدة فآل الكلام إلى التشبيه البليغ تشبيه معقول بمحسوس، وهذا من بناء التشبيه على الكناية بمنزلة بناء المجاز على المجاز.
ومن لطائف هذا التمثيل أن حبل الوريد مع قربه لا يشعر الإنسان بقربه لخفائه، وكذلك قرب الله من الإنسان بِعلمه قرب لا يشعر به الإنسان فلذلك اختير تمثيل هذا القرب بقرب حبل الوريد. وبذلك فاق هذا التشبيه لحالة القرب كلَّ تشبيه من نوعه ورد في كلام البلغاء. مثل قولهم : هو منه مقعد القابلة ومعقد الإزار، وقول زهير :
فهن ووادي الرس كاليد للفم
وقول حنظلة بن سيار وهو حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي مخضرم :
كُل امرىء مصبَّح في إهِلهِ
والموتُ أدنى من شراك نعلهِ
( ١٧، ١٨ )
يتعلق ) إذْ ( بقوله ) أقرب ( ( ق : ١٦ ) لأن اسم التفضيل يعمل في الظرف وإن كان لا يعمل في الفاعل ولا في المفعول به واللغة تتوسع في الظروف والمجرورات ما لا تتوسع في غيرها، وهذه قاعدة مشهورة ثابتة والكلام تخلص للموعظة والتهديد بالجزاء يوم البعث والجزاء من إحصاء الأعمال خيرها وشرها المعلومة من آيات كثيرة في القرآن. وهذا التخلص بكلمة ) إذ ( الدالة على الزمان من ألطف التخلص.
وتعريف ) المُتَلَقِّيان ( تعريف العهد إذا كانت الآية نزلت بعد آيات ذُكر فيها الحفظة، أو تعريفُ الجنس، والتثنية فيها للإشارة إلى أن هذا الجنس مقسم اثنين اثنين.
والتلقّي : أخذ الشيء من يد معطيه. استعير لتسجيل الأقوال والأعمال حين صدورها من الناس.


الصفحة التالية
Icon