" صفحة رقم ٣١٤ "
والطغيان : تجاوز الحدّ في التعاظم والظلم والكفر، وفعله يائي وواوي، يقال : طَغِيَ يطغَى كرضِيَ، وطغَا يطغُو كدعا. فمعنى ) ما أطغيته ( ما جعلته طاغياً، أي ما أمرته بالطغيان ولا زينته له. والاستدراك ناشىء عن شدة المقارنة بينه وبين قرينه لا سيما إذا كان المراد بالقرين شيطانه المقيَّض له فإنه قرن به من وقت إدراكه، فالاستدراك لدفع توهم أن المقارنة بينهما تقتضي أن يكون ما به من الطغيان بتلقين القرين فهو ينفي ذلك عن نفسه، ولذلك أتبع الاستدراك بجملة ) كان في ضلال بعيد ( فأخبَر القرين بأن صاحبه ضالُّ من قبلُ فلم يكن اقترانه معه في التقييض أو في الصحبة بزائد إياه إضلالاً، وهذا نظير ما حكاه الله عن الفريقين في قوله :( إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعُوا ( ( البقرة : ١٦٦ ). وفعل ) كان ( لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه.
والبعيد : مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل ) كان (، وقد تقدم عند قوله تعالى :( ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً في سورة النساء.
والمعنى : أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكيناً فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار.
( ٢٨، ٢٩ ) (
هذا حكاية كلام يصدر يومئذٍ من جانب الله تعالى للفريقين الذي اتَّبعوا والذين اتُّبعوا، فالضمير عائد على غير مذكور في الكلام يدل عليه قوله :( فكشفنا عنكَ غطاءك ( ( ق : ٢٢ ).
وعدم عطف فعل ) قال ( على ما قبله لوقوعه في معرض المقاولة، والتعبير بصيغة الماضي لتحقق وقوعه فقد صارت المقاولة بين ثلاثةِ جوانب.