" صفحة رقم ٣٥٠ "
الرابع : تقييد الهجوع بالقليل للإشارة إلى أنهم لا يستكملون منتهى حقيقة الهجوع بل يأخذون منه قليلاً. وهذه الخصوصية فاتت أبا قيس بن الأسلت في قوله :
قد حَصت البيضة راسِي فمَا
أطعَم نوماً غير تَهْجاع
الخامس : المبالغة في تقليل هجوعهم لإفادة أنه أقل ما يُهجَهُه الهاجع.
وانتصب ) قليلاً ( على الظرف لأنه وُصف بالزمان بقوله :( من الليل ). والتقدير : زمناً قليلاً من الليل، والعامل في الظرف ) يَهجعون ). و ) من الليل ( تبعيض.
ثم أتبع ذلك بأنهم يستغفرون في السحر، أي فإذا آذن الليل بالانصرام سألوا الله أن يغفر لهم بعد أن قدّموا من التهجد ما يرجون أن يزلفهم إلى رضى الله تعالى. وهذا دل على أن هجوعهم الذي يكون في خلال الليل قبل السحر. فأما في السحر فهم يتهجدون، ولذلك فسر ابن عمر ومجاهد الاستغفار بالصلاة في السحر. وهذا نظير قوله تعالى :( والمستغفرين بالأسحار ( ( آل عمران : ١٧ )، وليس المقصود طلب الغفران بمجرد اللسان ولو كان المستغفر في مضجعه إذ لا تظهر حينئذٍ مزية لتقييد الاستغفار بالكون في الأسحار.
والأسحار : جمع سحر وهو آخر الليل. وخص هذا الوقت لكونه يكثر فيه أن يغلب النوم على الإنسان فيه فصلاتهم واستغفارهم فيه أعجب من صلاتهم في أجزاء الليل الأخرى. وجَمْع الأسحار باعتبار تكرر قيامهم في كل سحر.
وتقديم ) بالأسحار ( على ) يستغفرون ( للاهتمام به كما علمت.
وصيغ استغفارهم بأسلوب إظهار اسم المسند إليه دُون ضميره لقصد إظهار الاعتناء بهم وليقع الإخبار عن المسند إليه بالمسند الفعلي فيفيد تقوّي الخبر لأنه


الصفحة التالية
Icon