" صفحة رقم ٨١ "
وهو أحدُ قولين عن أبي حنيفة رواه الطحاوي، ومِن السلف عبدُ الله بن عمر، وعطاءُ، وسعيدُ بن جبير : أن هذه الآية غير منسوخة، وأنها تقتضي التخيير في أسرى المشركين بين القتل أو المن أو الفداء، وأمير الجيش مخيّر في ذلك. ويشبه أن يكون أصحاب هذا القول يرون أن مورد الآية الإذنُ في المنّ أو الفداء فهي ناسخة أو مُنهية لحكم قوله تعالى : ما كانَ لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله : لمسَّكُم فيما أخذتم عذاب عظيم في سورة الأنفال ( ٦٧، ٦٨ ).
وهذا أولى من جعلها ناسخة لقوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( لما علمت من أن مورد تلك هو تعيين أوقات المتاركة، وأوقات المحاربة، فلذلك لم يقل هؤلاء بحَظْر قتل الأسير في حين أن التخيير هنا وارد بين المنّ والفداء، ولم يذكر معهما القتل. وقد ثبت في ( الصحيح ) ثبوتاً مستفيضاً أن رسول الله ( ﷺ ) قَتل من أسرى بدر النضر بنَ الحارث وذلك قبل نزول هذه الآية، وعقبة بن أبي معيط وقتل أسرى قريظة الذين نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وقتل هلال بن خطل ومقيس بن حبابة يوم فتح مكة، وقتل بعد أحد أبا عزّة الجمعي الشاعر وذلك كله لا يعارض هذه الآية لأنها جعلت التخيير لولي الأمر. وأيضاً لم يذكر في هذه الآية جواز الاسترقاق، وهو الأصل في الأسرى، وهو يدخل في المنّ إذا اعتبر المن شاملاً لترك القتل، ولأن مقابلة المن بالفداء تقتضي أن الاسترقاق مشروع. وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك : أنَّ المنّ من العتق.
وقال الحسن وعطاء : التخيير بين المنّ والفداء فقط دون قتل الأسير، فقتل الأسير يكون محظوراً. وظاهر هذه الآية يعضد ما ذهب إليه الحسن وعطاء. وذهب فريق من أهل العلم إلى أن هذه الآية منسوخة وأنه لا يجوز في الأسير المشرك إلا القتل بقوله تعالى :( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ( التوبة : ٥ ). وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك والسدّي وابن جريج، ورواه العَوفي عن ابن عباس وهو المشهور عن أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة : لا بأس أن يُفادى أسرى المشركين الذين لم يسلموا بأسرى المسلمين الذين بيد


الصفحة التالية
Icon