" صفحة رقم ٨٨ "
وفعل ) دمَّر ( متعد إلى المدمَّر بنفسه، يقال : دمرهم الله، وإنما عدي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوة التدمير، فحذف مفعول ) دمر ( لقصد العموم، ثم جعل التدمير واقعاً عليهم فأفاد معنى ) دمّر ( كل ما يختصُّ بهم، وهو المفعول المحذوف، وأن التدمير واقع عليهم فهم من مشموله.
وجملة ) وللكافرين أمثالها ( اعتراض بين جملة ) أفلم يسيروا في الأرض ( وبين جملة ) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ( ( محمد : ١١ ). والمراد بالكافرين : كفار مكة. والمعنى : ولكفاركم أمثال عاقبة الذين من قبلهم من الدّمار وهذا تصريح بما وقع به التعريض للتأكيد بالتعميم ثم الخصوص.
وأمثال : جمع مِثْل بكسر الميم وسكون الثاء، وجمع الأمثال لأن الله استأصل الكافرين مرات حتى استقر الإسلام فاستأصل صناديدهم يوم بدر بالسيف، ويوم حنين بالسيف أيضاً، وسلط عليهم الريح يوم الخندق فهزمهم وسلط عليهم الرعب والمذلة يوم فتح مكة، وكل ذلك مماثل لما سلطه على الأمم في الغاية منه وهو نصر الرسول ( ﷺ ) ودينه، وقد جعل الله ما نصر به رسوله ( ﷺ ) أعلى قيمة بكونه بيده وأيدي المؤمنين مباشرة بسيوفهم وذلك أنكى للعدو. وضمير ) أمثالها ( عائد إلى ) عاقبة الذين من قبلهم ( باعتبار أنها حالة سوء.
أعيد اسم الإشارة للوجه الذي تقدم في قوله :( ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ( ( محمد : ٣ ) وقوله :( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ( ( محمد : ٤ ).
واسم الإشارة منصرف إلى مضمون قوله :( وللكافرين أمثالها ( ( محمد : ١٠ ) بتأويل : ذلك المذكور، لأنه يتضمن وعيداً للمشركين بالتدمير، وفي تدميرهم انتصار للمؤمنين على ما لَقُوا منهم من الأضرار، فأفيد أن ما توعدهم الله به مسبب على أن الله نصير الذين آمنوا وهو المقصود من التعليل وما بعده تتميم.


الصفحة التالية
Icon