" صفحة رقم ١٠٩ "
).
هذا تحويل عن خطاب المشركين الذي كان ابتداؤه من أول السورة وهو من ضروب الالتفات، وهو استئناف بياني فضمير ) يتبعون ( عائد إلى الذين كان الخطاب موجهاً إليهم.
أعقب نفي أن تكون لهم حجة على الخصائص التي يزعمونها لأصنافهم أو على أن الله سماهم بتلك الأسماء بإثبات أنهم استندوا فيما يزعمونه إلى الأوهام وما تحبه نفوسهم من عبادة الأصنام ومحبة سدنتها ومواكب زيارتها، وغرورهم بأنها تسعى في الوساطة لهم عند الله تعالى بما يرغبونه في حياتهم فتلك أوهام وأمانيَّ محبوبة لهم يعيشون في غرورها.
وجيء بالمضارع في ) يتبعون ( للدلالة على أنهم سيسمرُّون على اتباع الظن وما تهواه نفوسهم وذلك يدل على أنهم اتبعوا ذلك من قبل بدلالة لحن الخطاب أو فحواه.
وأصل الظن الإعتقاد غير الجازم، ويطلق على العلم الجازم إذا كان متعلقاً بالمغيبات كما في قوله تعالى :( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم في سورة البقرة، وكثر إطلاقه في القرآن على الإعتقاد الباطل كقوله تعالى : إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون في سورة الأنعام، ومنه قول النبي : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وهو المراد هنا بقرينة عطف وما تهوى الأنفس ( عليه كما عطف ) وإن هم إلا يخرصون ( على نظيره في سورة الأنعام، وهو كناية عن الخطأ باعتبار لزومه له غالباً كما قال تعالى :( يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ( ( الحجرات : ١٢ ).
وهذا التفنن في معاني الظن في القرآن يشير إلى وجوب النظر في الأمر المظنون حتى يلحقه المسلم بما يناسبه من حُسن أو ذم على حسب الأدلة، ولذلك استنبط علماؤنا أن الظن لا يغني في إثبات أصول الإعتقاد وأن الظن الصائب تناط به تفاريع الشريعة.


الصفحة التالية
Icon