" صفحة رقم ١١٧ "
التولّي عن الذكر فحق أن يكون جزاؤهم عن ذلك الإِعراض إعراضاً عنهم فإن الإِعراض والتولي مترادفان أو متقاربان فالمراد ب ) من تولى ( الفريق الذين أعرضوا عن القرآن وهم المخاطبون آنفاً بقوله :( ما ضل صاحبكم وما غوى ( ( النجم : ٢ ) وقوله :( أفرأيتم اللات والعزى ( ( النجم : ١٩ ) والمخبر عنهم بقوله :( إن يتبعون إلا الظن ( ( النجم : ٢٨ ) الخ وقوله :( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( ( النجم : ٢٧ ) الخ.
والإِعراض والتولي كلاهما مستعمل هنا في مجازه ؛ فأما الإِعراض فهو مستعار لترك المجادلة أو لترك الاهتمام بسلامتهم من العذاب وغضب الله، وأما التولي فهو مستعار لعدم الاستماع أو لعدم الامتثال.
وحقيقة الإِعراض : لفت الوجه عن الشيء لأنه مشتق من العارض وهو صفحة الخد لأن الكاره لشيء يصرف عنه وجهه.
وحقيقة التولي : الإِدبار والإِنصراف، وإعراض النبي ( ﷺ ) عنهم المأمور به مراد به عدم الاهتمام بنجاتهم لأنهم لم يقبلوا الإِرشاد وإلا فإن النبي ( ﷺ ) مأمور بإدامة دعوتهم للإِيمان فكما كان يدعوهم قبل نزول هذه الآية فقد دعاهم غير مرة بعد نزولها، على أن الدعوة لا تختص بهم فإنها ينتفع بها المؤمنون، ومن لم يسبق منه إعراض من المشركين فإنهم يسمعون ما أنذر به المعرضون ويتأملون فيما تصفهم به آيات القرآن، وبهذا تعلم أن لا علاقة لهذه الآية وأمثالها بالمتاركة ولا هي منسوخة بآيات القتال.
وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله :( فأعرض عنهم وعظهم ( في سورة النساء وقوله :( وأعرض عن المشركين ( في سورة الأنعام، فضُم إليه ما هنا.
وما صدق ) من تولى ( القوم الذين تولوا وإنما جرى الفعل على صيغة المفرد مراعاة للفظ ) مَن ( ألا ترى قوله :( ذلك مبلغهم ( بضمير الجمع.
وجيء بالاسم الظاهر في مقام الإِضمار فقيل ) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ( دون : فأعرض عنهم لما تؤذن به صلة الموصول من علة الأمر بالإِعراض عنهم ومن ترتب توليهم عن ذكر الله على ما سبق وصفه من ضلالهم إذ لم يتقدم وصفهم بالتولّي عن الذكر وإنما تقدم وصف أسبابه.


الصفحة التالية
Icon