" صفحة رقم ١٢٠ "
يصدر منهم الإِساءة والإِحسان فاللام في قوله :( ليجزي ( لام التعليل، جعل الجزاء علة لثبوت ملك الله لما في السماوات والأرض.
ومعنى هذا التعليل أنّ من الحقائق المرتبطة بثبوت ذلك الملك ارتباطاً أوَّليًّا في التعقل والاعتبار لا في إيجاد فإن ملك الله لما في السماوات وما في الأرض ناشىء عن إيجاد الله تلك المخلوقات والله حين أوجدها عالم أن لها حياتين وأن لها أفعالاً حسنة وسيئة في الحياة الدنيا وعالم أنه مجزيها على أعمالها بما يناسبها جزاء خالداً في الحياة الآخرة فلا جرم كان الجزاء غايةً لإِيجاد ما في الأرض فاعتبر هو العلة في إيجادهم وهي علة باعثة يحتمل أن يكون معها غيرُها لأن العلة الباعثة يمكن تعددها في الحكمة.
ويجوز أن يتعلق بقوله :( أعلم ( من قوله :( هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( ( النجم : ٣٠ )، أي من خصائص علمه الذي لا يعزب عنه شيء أن يكون علمه مرتباً عليه الجزاءُ.
والباءاننِ في قوله :( بما عملوا ( وقوله :( بالحسنى ( لتعدية فعْلي ) ليجزي ( و ) يجزي ( فما بعد الباءَيْن في معنى مفعول الفعلين، فهما داخلتان على الجزاء، وقوله :( بما عملوا ( حينئذٍ تقديره : بمثل ما عملوا، أي جزاء عادلاً مماثلاً لما عملوا، فلذلك جعل بمنزلة عين ما عملوه على طريقة التشبيه البليغ.
وقوله :( بالحسنى ( أي بالمثوبة الحسنى، أي بأفضل مما عملوا، وفيه إشارة إلى مضاعفة الحسنات كقوله :( من جاء بالحسنة فله خير منها ( ( النمل : ٨٩ ). والحسنى : صفة لموصوف محذوف يدل عليه ) يجزي ( وهي المثوبة بمعنى الثواب.
وجاء ترتيب التفصيل لجزاء المسيئين والمحسنين على وفق ترتيب إجماله الذي في قوله :( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ( ( النجم : ٣٠ ) على طريقة اللف والنشر المرتب.
وقوله :( الذين يجتنبون كبائر الإثم ( الخ صفة ل ) الذين أحسنوا (، أي الذين أحسنوا واجتنبوا كبائر الإِثم والفواحش، أي فعلوا الحسنات واجتنبوا المنهيات،


الصفحة التالية
Icon