" صفحة رقم ١٢٩ "
والمعنى : أنه آمن نفسه من تبعه التولّي عن الإسلام ببذل شيء لمن تحمل عنه تبعة توليه كأنه يعلم الغيب ويشاهد أن ذلك يدفع عنه العقاب، فقد كان فعله ضِغثاً على إبالة لأنه ما افتدى إلا لأنه ظن أن التولي جريمة، وما بذل المال إلا لأنه توهم أن الجرائم تقبل الحمالة في الآخرة.
وتقديم الضمير المسند إليه على فعله المسند دون أن يقول : فيَرى، لإِفادة تقوّي الحكم، نحو : هو يعطي الجزيل. وهذا التقوّي بناء على ما أظهر من اليقين بالصفقة التي عاقد عليها وهو أدخل في التعجيب من حاله.
( ٣٦ ٣٨ )
) أم ( لإِضراب الانتقال إلى متعجَّب منه وإنكارٍ عليه آخَر وهو جهله بما عليه أن يعلمه الذين يخشون الله تعالى من عِلم ما جاء على ألسنة الرسل الأولين فإن كان هو لا يؤمن بمحمد ( ﷺ ) فهلاّ تطلب ما أخبرت به رسل من قبلُ، طالما ذكَر هو وقومه أسماءهم وشرائعهم في الجملة، وطالما سأل هو وقومه أهل الكتاب عن أخبار موسى، فهلاّ سأل عمّا جاء عنهم في هذا الغرض الذي يسعى إليه وهو طلب النجاة من عذاب الله فينبئه العالمون، فإن مآثر شريعة إبراهيم مأثور بعضها عند العرب، وشريعة موسى معلومة عند اليهود. فالاستفهام المقدر بعد ) أم ( إنكار مثل الاستفهام المذكور قبلها في قوله :( أعنده علم الغيب ( والتقدير : بل ألم ينبأ بما في صحف موسى الخ.
و ) صحف موسى ( : هي التوراة، وصحف ) إبراهيم ( : صحفٌ سُجِّل فيها ما أوحَى الله إليه، وهي المذكورة في سورة الأعلى ( ١٨، ١٩ ) ) إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى. روى ابن حبّان والحاكم عن أبي ذر أنه سأل النبي عن الكتب التي أنزلت على الأنبياء فذكر له منها عشرة صحائف أنزلت على إبراهيم، أي أنزل عليه ما هو مكتوب فيها.
وإنما خص هذه الصحف بالذكر لأن العرب يعرفون إبراهيم وشريعته


الصفحة التالية
Icon