" صفحة رقم ١٤٦ "
هي ماء الرجل إلا أن القرآن يخاطب الناس بما يفهمون ويشير إلى ما لا يعلمون إلى أن يفهمه المتدبرون. وحسبك ما وقع بيانه بالحديث المذكور آنفاً.
والنطفة : فُعلة مشتقة من : نطفَ الماءُ، إذا قطر، فالنطفة ماء قليل وسمي ما منه النسل نطفة بمعنى منطوف، أي مصبوب فماء الرجل مصبوب، وماء المرأة أيضاً مصبوب فإن ماء المرأة يخرج مع بويضة دقيقة تتسرب مع دم الحيض وتستقر في كيس دقيق فإذا باشر الذكر الأنثى انحدرت تلك البيضة من الأنثى واختلطت مع ماء الذكر في قرارة الرحم.
و ) مِن ( في قوله :( من نطفة ( ابتدائية فإن خَلق الإِنسان آتتٍ وناشىءٌ بواسطة النطفة، فإذا تكونت النطفة وأُمنيت ابتدأ خلق الإِنسان.
و ) تمنى ( تُدْفق وفسروه بمعنى تقذف أيضاً.
وقيل إن ) تمنى ( بمعنى تُراق، وجعلوا تسمية الوادي الذي بقرب مكة منى لأنه تراق به دماء البُدْن من الهدايا. ولم يذكر أهل اللغة في معاني مني أو أمنى أن منها الإِراقة. وهذا من مشكلات اللغة.
ثم إن ) تمنى ( يحتمل أنه مضارع أَمنى بهمزة التعدية وسقطت في المضارع فَوَزْنُهُ تُأَفْعَل، ويحتمل أنه مضارع مَنى مثل رَمَى فوزنه : تُفْعَل.
وبني فعل ) تمنى ( إلى المجهول لأن النطفة تدفعها قوة طبيعية في الجسم خفية فكان فاعل الإِمناء مجهولاً لعدم ظهوره.
وعن الأخفش ) تمنى ( تقدّر، يقال : منى الماني، أي قَدَّر المقدر. والمعنى : إذا قُدر لها، أي قدر لها أن تكون مخلَّقة كقوله تعالى :( مخلقة وغير مخلقة ( ( الحج : ٥ ).
والتقييد ب ) إذا تمنى ( لما في اسم الزمان من الإِيذان بسرعة الخَلق عند دفق النطفة في رحم المرأة فإنه عند التقاء النطفتين يبتدىء تخلق النسل فهذا إشارة خفية