" صفحة رقم ١٥٦ "
فجميع ما عدد من النعم على أقوام والنقم عن آخرين هو نعم محضة للرسول ( ﷺ ) وللمؤمنين.
و ( أي ) اسم استفهام يطلب به تمييز متشارك في أمر يعم بما يميز البعض عن البقية من حال يختص به مستعمل هنا في التسوية كناية عن تساوي ما عُدد من الأمور في أنها نعم على الرسول ( ﷺ ) إذ ليس لواحد من هذه المعدودات نقص عن نظائره في النعمة كقول فاطمة بنت الخرشُب ( وقَد سُئلت : أيّ بنيككِ أفضل ) ( ثَكِلتهُم إن كنتُ أدرى أيهم أفضل )، أي إن كنت أدري جواب هذا السؤال، وكقول الأعشى :
بأشجعَ أخَّاذ على الدهر حكمه
فمن أي ما تأتي الحوادث أفرق
والمقصود من هذا الاستفهام تذكير النبي ( ﷺ ) بهذه النعم.
فالمعنى أنك لا تحصل لك مِرْيَة في واحدة من آلاء ربك فإنها سواء في الإِنعام، والخطاب بقوله :( ربك ( الأظهر أنه للنبيء ( ﷺ ) وهو المناسب لذكر الآلاء والموافق لإِضافة ( رب ) إلى ضمير المفرد المخاطب في عُرف القرآن.
وجوزوا أن يكون الخطاب في قوله :( فبأي آلاء ربك ( لغير معين من الناس، أي المكذبين أي باعتبار أنه لا يخلو شيء مما عدد سابقاً عن نعمة لبعض الناس أو باعتبار عدم تخصيص الآلاء بما سبق ذكره بل المراد جنس الآلاء كما في قوله تعالى :( فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ( الرحمن : ١٦ ).
والآلاء : النعم، وهو جمع مفردُه : إلىً، بكسر الهمزة وبفتحها مع فتح اللام مقصوراً، ويقال : إِلىً، وأَلْي، بسكون اللام فيهما وآخره ياء متحركة، ويقال : ألْو، بهمز مفتوحة بعدها لام ساكنة وآخره واو متحركة مثل : دلو.
والتماري : التشكك وهو تفاعل من المرية فإن كان الخطاب بقوله :( ربك ( للنبيء ( ﷺ ) كان ) تتمارى ( مُطاوع مَارَاه مثل التدَافع مطاوع دَفع في قول المنخِّل :
فدفعتُها فتدافَعَتْ
مَشْيَ القَطاة إلى الغَدِير


الصفحة التالية
Icon