" صفحة رقم ١٨٨ "
وسَهله لتذكّر الخلق بما يحتاجونه من التذكير مما هو هدى وإرشاد. وهذا التيسير ينبىء بعناية الله به مثل قوله :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( ( الحجر : ٩ ) تبصرة للمسلمين ليزدادوا إقبالاً على مدارسته وتعريضاً بالمشركين عسى أن يَرْعَوُوا عن صدودهم عنه كما أنبأ عنه قوله :( فهل من مدكر ).
وتأكيد الخبر باللام وحرف التحقيق مراعى فيه حَال المشركين الشاكين في أنه من عند الله.
والتيسير : إيجاد اليسر في شيء، من فعل كقوله :( يريد الله بكم اليسر ( ( البقرة : ١٨٥ ) أو قوللٍ كقوله تعالى :( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ( ( الدخان : ٥٨ ).
واليسر : السهولة، وعدم الكلفة في تحصيل المطلوب من شيء. وإذ كان القرآن كلاماً فمعنى تيسيره يرجع إلى تيسير ما يُراد من الكلام وهو فهم السامع المعاني التي عناها المتكلم به بدون كلفة على السامع ولا إغلاق كما يقولون : يدخل للأذن بلا إذن. وهذا اليسر يحصل من جانب الألفاظ وجانب المعاني ؛ فأما من جانب الألفاظ فلذلك بكونها في أعلى درجات فصاحة الكلمات وفصاحة التراكيب، أي فصاحة الكلام، وانتظام مجموعها، بحيث يخف حفظها على الألسنة.
وأما من جانب المعاني، فبوضوح انتزاعها من التراكيب ووفرة ما تحتوي عليه التراكيب منها من مغازي الغرض المسوقة هي له. وبتولد معاننٍ من معاننٍ أُخر كلّما كرّر المتدبر تدبّره في فهمها.
ووسائل ذلك لا يحيط بها الوصف وقد تقدم بسطها في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير ومن أهمها إيجاز اللفظ ليسرع تعلقه بالحفظ، وإجمالُ المدلولات لتذهب نفوس السامعين في انتزاع المعاني منها كل مذهب يسمح به اللفظ والغرض والمقامُ، ومنها الإِطناب بالبيان إذا كان في المعاني بعض الدقة والخفاء.
ويتأتّى ذلك بتأليف نظم القرآن بلغة هي أفصح لغات البشر وأسمحُ ألفاظاً


الصفحة التالية
Icon