" صفحة رقم ٢١٢ "
وغير أسلوب الكلام من الخطاب الموجه إلى المشركين بقوله :( أكفاركم خير ( ( القمر : ٤٣ ) الخ إلى أسلوب الغيبة رجوعاً إلى الأسلوب الجاري من أول السورة في قوله :( وإن يروا آية يعرضوا ( ( القمر : ٢ ) بعد أن قُضي حق الإِنذار بتوجيه الخطاب إلى المشركين في قوله :( أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر ( ( القمر : ٤٣ ).
والكلام بشارة للنبيء ( ﷺ ) وتعريض بالنِّذارة للمشركين مبني على أنهم تحدثهم نفوسهم بذلك وأنهم لا يحسبون حالهم وحال الأمم التي سيقت إليهم قصصُها متساويةً، أي نحن منتصرون على محمد ( ﷺ ) لأنه ليس رسول الله فلا يؤيده الله.
و ) جميع ( اسم للجماعة الذين أمرهُم واحد، وليس هو بمعنى الإحاطة، ونظيره ما وقع في خبر عمر مع علي وعباس رضي الله عنهم في قضية ما تركه النبي ( ﷺ ) من أرض فَدَكَ، قال لهما :( ثم جئتماني وأمركما جميع وكلمتكما واحدة )، وقول لبيد :
عَرِيت وكان بها الجميعُ فأبكروا
منها وغودَر نْؤيُها وثُمامها
والمعنى : بل أيدَّعون أنهم يغالبون محمداً ( ﷺ ) وأصحابه وأنهم غالبونهم لأنهم جَميع لا يُغلبون.
ومنتصر : وصف ) جميع (، جاء بالإِفراد مراعاة للفظ ) جميع ( وإن كان معناه متعدداً.
وتغيير أسلوب الكلام من الخطاب إلى الغيبة مشعر بأن هذا هو ظنهم واغترارهم، وقد روي أنّ أبا جهل قال يوم بدر :( نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه ). فإذا صح ذلك كانت الآية من الإِعجاز المتعلق بالإِخبار بالغيب.
ولعل الله تعالى ألقى في نفوس المشركين هذا الغرور بأنفسهم وهذا الاستخفاف بالنبي ( ﷺ ) وأتباعه ليشغلهم عن مقاومته باليد ويقصرهم على تطاولهم عليه بالألسنة حتى تكثر أتباعه وحتى يتمكن من الهجرة والانتصار بأنصار الله.