" صفحة رقم ٢١٧ "
والخَلْق أصله : إيجاد ذات بشكل مقصود فهو حقيقة في إيجاد الذوات، ويطلق مجازاً على إيجاد المعاني التي تشبه الذوات في التميز والوضوح كقوله تعالى :( وتخلقون إفكاً ( ( العنكبوت : ١٧ ).
فإطلاقه في قوله :( إنا كل شيء خلقناه بقدر ( من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
و ) شيء ( معناه موجود من الجواهر والأعراض، أي خلقنا كل الموجودات جواهرها وأعراضها بقدَر.
والقدَر : بتحريك الدال مرادف القدْر بسكونها وهو تحديد الأمور وضبطها.
والمراد : أن خلْق الله الأشياء مصاحب لقوانين جارية على الحكمة، وهذا المعنى قد تكرر في القرآن كقوله في سورة الرعد ) وكل شيء عنده بمقدار ومما يشمله عموم كل شيء خلق جهنم للعذاب.
وقد أشار إلى أن الجزاء من مقتضى الحكمة قوله تعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ( ( المؤمنون : ١١٥ ) وقوله :( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ( ( الحجر : ٨٥، ٨٦ ) وقوله :( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ( ( الدخان : ٣٨ ٤٠ ) فترى هذه الآيات وأشباهها تُعقّب ذكر كون الخلق كله لحكمة بذكر الساعة ويوم الجزاء. فهذا وجه تعقيب آيات الإِنذار والعقاب المذكورة في هذه السورة بالتذييل بقوله :( إنا كل شيء خلقناه بقدر ( بعد قوله :( أكفاركم خير من أولائكم ( ( القمر : ٤٣ ) وسيقول :( ولقد أهلكنا أشياعكم ( ( القمر : ٥١ ).
فالباء في ) بقدر ( للملابسة، والمجرور ظرف مستقر، فهو في حكم المفعول الثاني لفعل ) خلقناه ( لأنه مقصود بذاته، إذ ليس المقصود الإِعلام بأن كل شيء مخلوق لله، فإن ذلك لا يحتاج إلى الإِعلام به بَلْه تأكيده بل المقصود إظهار معنى العلم والحكمة في الجزاء كما في قوله تعالى في سورة الرعد ) وكل شيء عنده بمقدار.