" صفحة رقم ٢٢٥ "
و ) في ( من قوله :( في جنات ( للظرفية المجازية التي هي بمعنى التلبس القوي كتلبس المظروف بالظرف، والمراد في نعيم جنات ونهر فإن للجنات والأنهار لذات متعارفة من اللهو والأُنس والمحادثة، واجتناء الفواكه، ورؤية جَرَيَاننِ الجداول وخرير الماء، وأصوات الطيور، وألوان السوابح.
وبهذا الاعتبار عطف ) نهر ( على ) جنات ( إذ ليس المراد الإخبار بأنهم ساكنون جناتتٍ فإن ذلك يغني عنه قوله بعد :( في مقعد صدق عند مليك مقتدر (، ولا أنهم منغمسون في أنهار إذ لم يكن ذلك مما يقصده السامعون.
ونهَرَ : بفتحتين لغة في نهْر بفتح فسكون. والمراد به اسم الجنس الصادق بالمتعدد لقوله تعالى :( من تحتهم الأنهار ( ( الأعراف : ٤٣ )، وقوله :( في مقعد صدق ( إما في محل الحال من المتقين وإما في محل الخبر الثاني ل ) إنّ ).
والمقعد : مكان القعود. والقعود هنا بمعنى الإِقامة المطمئنة كما في قوله تعالى :( اقعدوا مع القاعدين ( ( التوبة : ٤٦ ).
والصدق : أصله مطابقة الخبر للواقع ثم شاعت له استعمالات نشأت عن مجاز أو استعارة ترجع إلى معنى مصادفة أحد الشّيء على ما يناسب كمال أحوال جنسه، فيقال : هو رَجُل صدق، أي تمام رُجلة، وقال تأبط شراً :
إني لمهد من ثنائي فقاصد
به لابننِ عَمِّ الصدق شُمس بن مالك
أي ابن العم حقا، أي موف بحق القرابة.
وقال تعالى :( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوّأ صدق ( ( يونس : ٩٣ ) وقال في دعاء إبراهيم عليه السلام ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( ( الشعراء : ٨٤ ) ويسمى الحبيب الثابت المحبة صَديقاً وصدّيقاً.
فمقعد صدق، أي مقعد كامل في جنسه مرضي للمستقر فيه فلا يكون فيه استفزاز ولا زوال، وإضافة ) مقعد ( إلى ) صدق ( من إضافة الموصوف إلى صفته للمبالغة في تمكن الصفة منه.