" صفحة رقم ٢٥٧ "
وحرف التنفيس مستعمل في مطلق التقريب المكنَّى به عن التحقيق، كما تقدم في قوله تعالى :( قال سوف أستغفر لكم ربي في سورة يوسف.
والفراغ للشيء : الخلوُ عما يشغل عنه، وهو تمثيل للاعتناء بالشيء، شبّه حال المقبل على عمل دون عمللٍ آخر بحال الوعاء الذي أُفْرغَ مما فيه ليُملأ بشيء آخر.
وهذا التمثيل صالح للاستعمال في الاعتناء كما في قول أبي بكر الصديق لابنه عبد الرحمن افْرُغْ إلى أضيافك ( أي تخل عن كل شغل لتشتغل بأضيافك وتتوفر على قِراهم ) وصالح للاستعمال في الوعيد، كقول جرير :
أَلاَنَ وقد فرغت إلى نَمير
فهذا حين كنتُ لها عذاباً
والمناسب لسياق الآية باعتبار السابق واللاحق، أن تحمل على معنى الإِقبال على أمور الثقلين في الآخرة، لأن بعده يعرف المجرمون بسيماهم ( ( الرحمن : ٤١ )، وهذا لكفار الثقلين وهم الأكثر في حين نزول هذه الآية.
و ) الثقلان ( : تثنية ثَقَل، وهذا المثنى اسم مفرد لمجموع الإِنس والجن.
وأحسب أن الثّقَل هو الإِنسان لأنه محمول على الأرض، فهو كالثقل على الدابة، وأن إطلاق هذا المثنى على الإنس والجن من باب التغليب، وقيل غير هذا مما لا يرتضيه المتأمل. وقد عد هذا اللفظ بهذا المعنى مما يستعمل إلا بصيغة التثنية فلا يطلق على نوع الإنسان بانفراده اسم الثقل ولذلك فهو مثنى اللفظ مفرد الإطلاق. وأظن أن هذا اللفظ لم يطلق على مجموع النوعين قبل القرآن فهو من أعلام الأجناس بالغلبة، ثم استعمله أهل الإسلام، قال ذو الرمة :
وميَّة أحسن الثقلين وَجها
وسَالِفَةً وأحسنُهُ قَذالاً
أراد وأحسن الثقلين، وجعل الضمير له مفرداً. وقد أخطأ في استعماله إذ لا علاقة للجن في شيء من غرضه.
وقرأ الجمهور ) سنفرغ ( بالنون. وقرأه حمزة والكسائي بالياء المفتوحة على أن الضمير عائد إلى الله تعالى على طريقة الالتفات.


الصفحة التالية
Icon