" صفحة رقم ٢٨٧ "
الدين كما في قوله تعالى :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار في سورة براءة.
ويجوز أن يكون مستعملاً في المغالبة في تحصيل الخير كقوله تعالى : أولئك يسارعون في الخيران وهم لها سابقون في سورة المؤمنين.
وقوله : السابقون ( ثانياً يجوز جعله خبراً عن ) السابقون ( الأول كما أُخبر عن أصحاب الميمنة بأنهم ) ما أصحاب الميمنة ( لأنه يدل على وصفهم بشيء لا يكتنه كنهه بحيث لا يفي به التعبير بعبارة غير تلك الصفة إذ هي أقصى ما يسعه التعبير، فإذا أراد السامع أن يتصور صفاتهم فعليه أن يتدبر حالهم، وهذا على طريقه قوله :( أولئك هم المفلحون ( ( الأعراف : ١٥٧ ). ويجوز جعله تأكيداً للأول فمآل جملة ) ما أصحاب الميمنة ( ونظيرتها وجملة ) والسابقون السابقون ( هو التعجيب من حالهم وطريقُه هو الكناية ولكنّ بين الكنايتين فرقاً بأن إحداهما كانت من طريق السؤال عن الوصف، والأخرى من طريق تعذر التعبير بغير ذلك الوصف.
والمعنى : أن حالهم بلغت منتهى الفضل والرفعة بحيث لا يجد المتكلم خبراً يُخبر به عنهم أدلّ على مرتبتهم مِن اسم ) السابقون ( فهذا الخبر أبلغ في الدلالة على شرف قدرهم من الإِخبار ب ) ما ( الاستفهامية التعجيبية في قوله :( ماأصحاب الميمنة (، وهذا مثل قول أبي الطمحان القفيني :
وإني من القوم الذين هُمُو هُمُو
إذا مات منهم سيد قام صاحبه
مع ما في اشتقاق لقبهم من ( السبق ) من الدلالة على بلوغهم أقصى ما يطلبه الطالبون.
وحذف متعلق ) السابقون ( في الآية لقصد جعل وصف ) السابقون ( بمنزلة اللقب لهم، وليفيد العموم، أي أنهم سابقون في كل ميدان تتسابق إليه النفوس الزكية كقوله تعالى :( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ( ( المطففين : ٢٦ )، فهؤلاء هم السابقون إلى الإِيمان بالرسل وهم الذين صحبوا الرسل والأنبياء وتلقوا منهم شرائعهم، وهذا الصنف يوجد في جميع العصور من القدم، ومستمر في الأمم إلى الأمة المحمدية