" صفحة رقم ٢٩٧ "
وضمير ) فيها ( عائد إلى ) جنات النعيم ( ( الواقعة : ١٢ ).
وأتبع ذكر هذه النعمة بذكر نعمة أخرى من الأنعام بالمسموع الذي يفيد الكرامة لأن الإِكرام لذة رُوحية يُكسب النفس عزة وإدلالاً بقوله :( إلا قيلاً سلاماً سلاماً ). وهو استثناء من ) لغواً و تأثيماً ( بطريقة تأكيد الشيء بما يشبه ضده المشتهر في البديع باسم تأكيد المدح لما يشبه الذم، وله موقع عظيم من البلاغة كقوله النابغة :
ولا عيب فيهم غيرَ أنّ سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
فالاستثناء متصل إدعاءً وهو المعبر عنه بالاستثناء المنقطع بحسب حاصل المعنى، وعليه فإن انتصاب ) قيلاً ( على الاستثناء لا على البدلية من ) لغواً ).
و ) سلاماً ( الأول مقول ) قيلاً ( أي هذا اللفظ الذي تقديره : سَلمنا سَلاماً، فهو جملة محكية بالقول.
و ) سلاماً ( الثاني تكرير ل ) سلاماً ( الأول تكريراً ليس للتأكيد بل لإِفادة التعاقب، أي سلاماً إثر سلام، كقوله تعالى :( كلا إذا دكت الأرض دَكَّاً دَكاً ( ( الفجر : ٢١ ) وقولهم : قرأت النحو باباً باباً، أو مشاراً به إلى كثرة المسلِّمين فهو مؤذن مع الكرامة بأنهم معظمون مبجلون، والفرق بين الوجهين أن الأول يفيد التكرير بتكرير الأزمنة، والثاني يفيد التكرار بتكرار المسلِّمين.
وهذا القيل يتلقونه من الملائكة الموكلين بالجنة، قال تعالى :( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم ( ( الرعد : ٢٣، ٢٤ ) ويتلقاه بعضهم من بعض كما قال تعالى :( وتحيتهم فيها سلام ( ( يونس : ١٠ ).
وإنما جيء بلفظ :( سلاماً ( منصوباً دون الرفع مع كون الرفع أدل على المبالغة كما ذكروه في قوله :( قالوا سَلاماً قال سلامٌ في سورة هود وسورة الذاريات لأنه أريد جعله بدلاً من قيلاً ).