" صفحة رقم ٣٠٣ "
توكيد الاعتناء بأصحاب اليمين المستفاد من المقام من قوله :( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ( ( الواقعة : ٢٧ ) الآية.
واعلم أن ما أعطي لأصحاب اليمين ليس مخالفاً لأنواع ما أعطي للسابقين ولا أن ما أعطي للسابقين مخالف لما أعطي أصحاب اليمين فإن الظل والماء المسكوب وكون أزواجهم عُرباً أتراباً لم يذكر مثله للسابقين وهو ثابت لهم لا محالة إذ لا يَقْصرون عن أصحاب اليمين، وكذلك ما ذكر للسابقين من الولدان وأكوابِهم وأباريقهم ولحم الطير وكون أزواجهم حوراً عيناً وأنهم لا يسمعون إلا قيلاً سلاماً سلاماً، لم يذكر مثله لأصحاب اليمين مع أن لأهل الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. وقد ذكر في آيات كثيرة أنهم أعطوا أشياء لم يذكر إعطاؤها لهم في هذه الآية مثل قوله :( وتحيتهم فيها سلام ( ( يونس : ١٠ )، فليس المقصود توزيع النعيم ولا قصره ولكن المقصود تعداده والتشويق إليه مع أنه قد علم أن السابقين أعلى مقاماً من أصحاب اليمين بمقتضى السياق. وقد أشار إلى تفاوت المقامين أنه ذكر في نعيم السابقين أنه جزاء بما كانوا يعملون للوجه الذي بيناه فيها ولم يذكر مثله في نعيم أصحاب اليمين وجُماع الغرض من ذلك التنويه بكلا الفريقين.
( ٣٩، ٤٠ )
أي أصحاب اليمين :( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين (، والكلام فيه كالكلام في قوله :( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ( ( الواقعة : ١٣، ١٤ ) فاذكره. وفي ( تفسير القرطبي ) عن أبي بكر الصديق : أن كلتا الثلتين من الأمة المحمدية ثلة من صدرها وثلة من بقيتها ولم ينبه على سند هذا النقل.
وإنما أخر هذا عن ذكر ما لهم من النعيم للإِشعار بأن عزة هذا الصنف وقلته دون عزة صنف السابقين، فالسابقون أعز، وهذه الدلالة من مستتبعات التراكيب المستفادة من ترتيب نظم الكلام.