" صفحة رقم ٣٠٦ "
وفسر ) مترفين ( بمعنى متكبرين عن قبول الحقّ. والمترف : اسم مفعول من أترفه، أي جعله ذا ترفة بضم التاء وسكون الراء، أي نعمة واسعة، وبناؤه للمجهول لعدم الإحاطة بالفاعل الحقيقي للإتراف كشأن الأفعال التي التزم فيها الإسناد المجازي العقلي الذي ليس لمثله حقيقة عقلية، ولا يقدّر بنحو : أترفه الله، لأن العرب لم يكونوا يقدّرون ذلك فهذا من باب : قال قائل، وسأل سائل.
وإنما جعل أهل الشمال مترَفين لأنهم لا يخلو واحد منهم عن ترف ولو في بعض أحواله وأزمانه من نعم الأكل والشرب والنساء والخمر، وكل ذلك جدير بالشكر لواهبه، وهم قد لابسوا ذلك بالإشراك في جميع أحوالهم، أو لأنهم لما قصروا انظارهم على التفكير في العيشة العاجلة صرفهم ذلك عن النظر والاستدلال على صحة ما يدعوهم إليه الرسول ( ﷺ ) فهذا وجه جعل الترف في الدنيا من أسباب جزائهم الجزاء المذكور.
والإِشارة في قوله :( قبل ذلك ( إلى ) سموم وحميم وظل من يحموم ( ( الواقعة : ٤٢، ٤٣ ) بتأويلها بالمذكور، أي كانوا قبل اليوم وهو ما كانوا عليه في الحياة الدنيا.
والحِنث : الذنب والمعصية وما يتخرج منه، ومنه قولهم : حنث في يمينه، أي أهمل ما حلف عليه فجر لنفسه حرجاً.
ويجوز أن يكون الحنث حنث اليمين فإنهم كانوا يقسمون على أن لا بَعثَ، قال تعالى :( وأقسَموا بالله جَهدَ أيمانهم لا يبعثُ الله من يموت ( ( النحل : ٣٨ )، فذلك من الحنث العظيم، وقال تعالى :( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليومنن بها ( ( الأنعام : ١٠٩ ) وقد جاءتهم آية إعجاز القرآن فلم يؤمنوا به.
والعظيم : القوي في نوعه، أي الذنب الشديد والحنث العظيم هو الإِشراك بالله. وفي حديث ابن مسعود أنه قال :( قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تدعو لله نداً وهو خلقك ) وقال تعالى :( إن الشرك لظلم عظيم ( ( لقمان : ١٣ ).