" صفحة رقم ٣١٦ "
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي لإِفادة تقوّي الحكم وتحقيقه، والتحقيق راجع إلى ما اشتمل عليه التركيب من فعل ) قدرنا ( وظرف ) بينكم ( في دلالتهما على ما في خلق الموت من الحكمة التي أشرنا إليها.
وقرأ الجمهور ) قدّرنا ( بتشديد الدال. وقرأه ابن كثير بالتخفيف وهما بمعنى واحد، فالتشديد مصدره التقدير، والتخفيف مصدره القَدر.
هذا نتيجة لما سبق من الاستدلال على أن الله قادر على الإِحياء بعد الموت فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بفاء التفريع ويترك عطفه فعدل عن الأمرين، وعطف بالواو عطف الجمل فيكون جملة مستقلة مقصوداً لذاته لأن مضمونه يفيد النتيجة، ويفيد تعليماً اعتقادياً، فيحصل الإعلام به تصريحاً وتعريضاً، فالصريح منه التذكير بتمام قدرة الله تعالى وأنه لا يغلبه غالب ولا تضيق قدرته عن شيء، وأنه يبدلهم خلقاً آخر في البعث مماثلاً لخلقهم في الدنيا، ويفيد تعريضاً بالتهديد باستئصالهم وتعويضهم بأمة أخرى كقوله تعالى :( إن يشأ يذهبكم ويأتتِ بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ( ( إبراهيم : ١٩، ٢٠ ) ولو جيء بالفاء لضاقت دلالة الكلام عن المعنيين الآخرين.
والسبق : مجاز من الغلبة والتعجيز لأن السبق يستلزم ان السابق غالب للمسبوق، فالمعنى : وما نحن بمغلوبين، قال الفقعسي مُرّةُ بن عداء :
كأنّك لم تُسبق من الدهر مَرة
إذا أنتَ أدركتَ الذي كنت تطلُب
ويتعلق ) على أن نبدل أمثالكم ( ب ) مسبوقين ( لأنه يقال : غلبه على كذا، إذا حال بينه وبين نواله، وأصله : غلبه على كذا، أي تمكن من كذا دونه قال تعالى :( والله غالب على أمره ( ( يوسف : ٢١ ). ويكون الوقف على قوله :( أمثالكم ).