" صفحة رقم ٣٣٦ "
سعيد بن زيد فوجدها تقرأ القرآن من صحيفة مكتوب فيها سورة طه فدعا بالصحيفة ليقرأها فقالت له : لا يمسه إلا المطهّرون فقام فاغتسل وقرأ السورة فأسلم، فهذه الآية ليست دليلاً لحكم مسّ القرآن بأيدي الناس ولكن ذكر الله إياها لا يخلو من إرادة أن يقاس الناسُ على الملائكة في أنهم لا يمسّون القرآن إلا إذا كانوا طاهرين كالملائكة، أي بقدر الإِمكان من طهارة الآدميين.
فثبت بهذا أن الأمر بالتطهر لمن يمسك مكتوباً من القرآن قد تقرر بين المسلمين من صدر الإِسلام في مكة.
وإنما اختلف الفقهاء في مقتضى هذا الأمر من وجوب أو ندب، فالجمهور رأوا وجوب أن يكون ممسك مكتوب القرآن على وضوء وهو قول علي وابن مسعود وسعد وسعيد وعطاء والزهري ومالك والشافعي، وهو رواية عن أبي حنيفة، وقال فريق : إن هذا أمر ندب وهو قول ابن عباس والشعبي، وروي عن أبي حنيفة وهو قول أحمد وداود الظاهري.
قال مالك في ( الموطأ ) ( ولا يحمل أحد المصحف لا بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر إكراماً للقرآن وتعظيماً له ). وفي سماع ابن القاسم من كتاب الوضوء من ( العتبية ) في المسألة السادسة ( سئل مالك عن اللوح فيه القرآن أيمس على غير وضوء ؟ فقال : أما للصبيان الذين يتعلمون فلا رأى به بأساً، فقيل له : فالرجل يتعلم فيه ؟ قال : أرجو أن يكون خفيفاً، فقيل لابن القاسم : فالمُعلِّمُ يشكِّل ألواح الصبيان وهو على غير وضوء، قال : أرى ذلك خفيفاً ). قال ابن رشد في ( البيان والتحصيل ) :( لما يلحقه في ذلك من المشقة فيكون ذلك سبباً إلى المنع من تعلمه. وهذه هي العلة في تخفيف ذلك للصبيان. وأشار الباجي في ( المنتقى ) إلى أن إباحة مسّ القرآن للمتعلم والمعلم هي لأجل ضرورة التعلم.
وقد اعتبروا هذا حكماً لما كتب فيه القرآن بقصد كونه مصحفاً أو جزءاً من مصحف أو لَوحاً للقرآن ولم يعتبروه لما يكتب من آي القرآن على وجه الاقتباس أو التضمين أو الاحتجاج ومن ذلك ما يكتب على الدنانير والدراهم وفي الخواتيم.
والمراد بالطهارة عند القائلين بوجوبها الطهارة الصغرى، أي الوضوء، وقال


الصفحة التالية
Icon