" صفحة رقم ٣٥٧ "
( الله ) لما علمت في تفسير الفاتحة من أن أصله الإِله، أي المنفرد بالإِلهية.
وأتبع هذا الاسم بصفات ربانية تدل على كمال الله تعالى وتنزّهُهُ عن النقص كما يأتي بيانه فكانت هذه الفاتحة براعة استهلال لهذه السورة، ولذلك أتبع اسمهُ العلَم بعشر صفات هي جامعة لصفات الكمال وهي : العزيز، الحكيم، له ملك السماوات والأرض، يحيي، ويميت، وهو على كل شيء قدير، هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، وهو بكل شيء عليم.
وصيغ فعل التسبيح بصيغة الماضي للدلالة على أن تنزيهه تعالى أمر مقرر أمر الله به عباده من قبل وألهمه الناس وأودعَ دلائله في أحوال ما لا اختيار له، كما دل عليه قوله تعالى :( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال ( ( الرعد : ١٥ ) وقوله :( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( ( الإسراء : ٤٤ ).
ففي قوله :( سبح ( تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند.
واللام في قوله :( لله ( لام التبيين. وفائدتها زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعدَ بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف، قال تعالى :( فاسجد له وسبحه ( ( الإنسان : ٢٦ )، فاللام هنا نظيره اللام في قولهم : شكرتُ لك، ونصحتُ لك، وقوله تعالى :( ونقدس لك ( ( البقرة : ٣٠ )، وقولهم سَقْيا لك ورعيا لك، وأصله : سقَيَك ورَعْيَك.
و ) ما في السماوات والأرض ( يعم الموجودات كلها فإن ) ما ( اسم موصول يعمّ العقلاء وغيرهم، أو هو خاص بغير العقلاء فجرى هنا على التغليب، وكلها دال على تنزيه الله تعالى عن الشريك فمنها دلالة بالقول كتسبيح الأنبياء والمؤمنين، ومنها دلالة بالفعل كتسبيح الملائكة، ومنها دلالة بشهادة الحال كما تنبىء به أحوال الموجودات من الافتقار إلى الصانع المنفرد بالتدبير، فإن جُعل عموم ) ما في السماوات والأرض ( مخصوصاً بمن يتأتى منهم النطق بالتسبيح وهم العقلاء كان إطلاق التسبيح على تسبيحهم حقيقة.


الصفحة التالية
Icon