" صفحة رقم ٣٥٩ "
والأرض ( فإن الإِحياء والإِماتة ممّا يشتمل عليه معنى مُلك السماوات والأرض لأنهما من أحوال ما عليهما، وتخصيص هذين بالذكر للاهتمام بهما لدلالتهما على دقيق الحكمة في التصرف في السماء والأرض ولظهور أن هاذين الفعلين لا يستطيع المخلوق ادعاء أن له عملاً فيهما، وللتذكير بدليل إمكان البعث الذي جحده المشركون، وللتعريض بإبطال زعمهم إلهية أصنامهم كما قال تعالى :( ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً ( ( الفرقان : ٣ )، ومن هذين الفعلين جاء وصفه تعالى بصفة ( المحيي المميت ).
وتقدم ذكر الإِحياء والإِماتة عند قوله تعالى :( وكنتم أمواتاً فأحياكم في أول سورة البقرة.
وجملة وهو على كل شيء قدير ( تفيد مفاد التذييل لجملة ) يحي ويميت ( لتعميم ما دل عليه قوله :( يحي ويميت ( من بيان جملة ) له ملك السماوات والأرض (، وإنما عطفت بالواو وكان حق التذييل أن يكون مفصولاً لقصد إيثار الإِخبار عن الله تعالى بعموم القدرة على كل موجود، وذلك لا يفيت قصد التذييل، لأن التذييل يحصل بالمعنى.
استئناف في سياق تبْيين أن له ملك السماوات والأرض، بأن مُلكه دائم في عموم الأزمان وتصرف فيهما في كل الأحوال، إذ هو الأول الأزلي، وأنه مستمر من قبل وجود كل محدث ومن بعد فنائه إذ الله هو الباقي بعد فناء ما في السماوات والأرض، وذلك يظهر من دلالة الآثار على المؤثِر فإن دلائل تصرفه ظاهرة للمتبصر بالعقل وهو معنى ) الظاهر ( كما يأتي، وأن كيفيات تصرفاته محجوبة عن الحس وذلك معنى ) الباطن ( تعالى كما سيأتي.
فضمير ) هو ( ليس ضمير فصل ولكنه ضمير يعبر عن اسم الجلالة لاعتبارنا الجملة مستأنفة، ولو جعلته ضمير فصل لكانت أوصاف ) الأول والأخر والظاهر والباطن ( أخباراً عن ضمير ) هو العزيز الحكيم ( ( الحديد : ١ ).


الصفحة التالية
Icon