" صفحة رقم ٣٦٢ "
فأما قصر الأولية على الله تعالى في صفة الوجود فظاهر، وأما قصر الآخرية عليه في ذلك وهو معنى البقاء، فإن أريد به البقاء في العالم الدنيوي عرض إشكال المتعارض بما ورد من بقاء الأرواح، وحديث ( أن عَجْب الذَّنب لا يفنى وأن الإِنسان منه يعادُ ). ورفع هذا الإشكال أن يجعل القصر ادعائياً لعدم الاعتداد ببقاء غيره تعالى لأنه بقاء غير واجب بل هو بجعل الله تعالى.
والجمع بين وصفي ) الأول والأخر ( فيه محسّن الطباق.
و ) الظاهر ( الأرجح أنه مشتق من الظُّهور الذي هو ضد الخفاء فيكون وصفه تعالى به مجازاً عقلياً، فإن إسناد الظهور في الحقيقة هو ظهور أدلة صفاته الذاتية لأهل النظر والاستدلال والتدبر في آيات العالم فيكون الوصف جامعاً لصفته النفسية، وهي الوجود، إذ أدلة وجوده بيّنة واضحة ولصفاته الأخرى مما دل عليها فعله من قدرة وعلم وحياة وإرادة، وصفات الأفعال من الخلق والرزق والإِحياء والإِماتة كما علمت في قوله :( هو الأول ( عن النقص أو ما دل عليها تنزيهه عن النقص كصفة الوحدانية والقدم والبقاء والغنى المطلق ومخالفة الحوادث، وهذا المعنى هو الذي يناسبه المقابلة بالباطن.
ويجوز أن يكون مشتقاً من الظهور، أي الغلبة كالذي في قوله تعالى :( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ( ( الكهف : ٢٠ )، فمعنى وصفه تعالى ب ) الظاهر ( أنه الغالب.
وهذا لا يناسب مقابلته ب ) الباطن ( إلا على اعتبار محسِّن الإِيهام، وما وقع في حديث أبي هريرة في ( صحيح مسلم ) من قول رسول الله ( ﷺ ) ( وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ) فمعنى فاء التفريع فيه أن ظهوره تعالى سبب في انتفاء أن يكون شيء فوق الله في الظهور، أي في دلالة الأدلة على وجوده واتصافه بصفات الكمال، فدلالة الفاء تفريع لا تفسير.
و ) الباطن ( الخفي يقال : بطن، إذا خفي ومصدره بُطُون.
ومعنى وصفه تعالى بباطن وصف ذاته وكنهه لأنه محجوب عن إدراك الحواس الظاهرة قال تعالى :( لا تدركه الأبصار ( ( الأنعام : ١٠٣ ).


الصفحة التالية
Icon