" صفحة رقم ٣٩ "
ووصفه ب ) المعمور ( لأنه لا يخلو من طائف به، وعمران الكعبة هو عمرانها بالطائفين قال تعالى :( إنما يعمر مساجد اللَّه من آمن باللَّه واليوم الآخر ( ( التوبة : ١٨ ) الآية.
ومُناسبة القسم سبق القسم بكتاب التوراة فعقب ذلك بالقسم بمواطن نزول القرآن فإن ما نزل به من القرآن أنزل بمكة وما حولها مثل جبل حِراء. وكان نزوله شريعة ناسخة لشريعة التوراة، على أن الوحي كان ينزل حَول الكعبة. وفي حديث الإِسراء ( بينا أنا نائم عند المسجد الحرام إذ جاءني الملكان ) الخ، فيكون توسيط القسم بالكعبة في أثناء ما أقسم به من شؤون شريعة موسى عليه السلام إدماجاً.
وفي ( الطبري ) : أن علياً سئل : ما البيت المعمور ؟ فقال :( بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً، يقال : له الضُراح ) ( بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وحاء مهملة )، وأن مجاهداً والضحاك وابن زيد قالُوا مثل ذلك. وعن قتادة أن النبي ( ﷺ ) قال :( هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة ) إلى آخر الخبر. وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعاً يقال له : البيت المعمور، لكن الروايات في كونه المرادَ من هذه الآية ليست صريحة.
وأما السقف المرفوع : ففسروه بالسماء لقوله تعالى :( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً ( ( الأنبياء : ٣٢ ) وقوله :( والسماء رفعها ( ( الرحمن : ٧ ) فالرفع حقيقي ومناسبة القسَم بها أنها مصدر الوحي كله التوراة والقرآن. وتسمية السماء على طريقة التشبيه البليغ.
والبحر : يجوز أن يراد به البحر المحيط بالكرة الأرضية. وعندي : أن المراد بحر القلزم، وهو البحر الأحمر ومناسبة القَسَم به أنه به أُهلك فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون.
و ) المَسجور ( : قيل المملوءُ، مشتقاً من السَّجر، وهم الملء والإِمداد. فهو صفة كاشفة قصد منها التذكير بحال خلق الله إياه مملوءاً ماء دون أن تملأه أودية أو سيول، أو هي للاحتراز عن إرادة الوادي إذ الوادي ينقص فلا يبقى على ملئه وذلك دال على عظم القدرة. والظاهر عندي : أن وصفه بالمسجور للإِيماء إلى