" صفحة رقم ٣٩٣ "
وبدلوا كتابهم وحرفوه وأفسدوا عقائدهم فبلغوا حدّ الكفر. فالفسق هنا مراد به الكفر كقوله تعالى :( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثرهم فاسقون ( ( المائدة : ٥٩ )، أي غير مؤمنين بدليل المقابلة بقوله :( آمنا بالله ( إلى آخره.
وبين قوله :( فقست ( وقوله :( فاسقون ( محسّن الجناس. وهذا النوع فيه مركب مما يسمى جناس القلب وما يسمى الجناس الناقص وقد اجتمعا في هذه الآية.
افتتاح الكلام ب ) اعلموا ( ونحوه يؤذن بأن ما سيلقى جدير بتوجه الذهن بشراشره إليه، كما تقدم عند قوله تعالى :( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه في سورة البقرة وقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية في سورة الأنفال.
وهو هنا يشير إلى أن الكلام الذي بُعده مغزى عظيم غير ظاهرِ، وذلك أنه أريد به تمثيل حال احتياج القلوب المؤمنة إلى ذكر الله بحال الأرض الميتة في الحاجة إلى المطر، وحاللِ الذكر في تزكية النفوس واستنارتها بحال الغَيث في إحياء الأرض الجدبة. ودل على ذلك قوله بعده : قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون (، وإلا فإن إحياء الله الأرض بعد موتها بما يصيبها من المطر لا خفاء فيها فلا يقتضي أن يفتتح الإخبار عنه بمثل ) اعلموا ( إلاّ لأن فيه دلالة غير مألوفة وهي دلالة التمثيل، ونظيره قول النبي ( ﷺ ) لأبي مسعود البَدري وقد رآه لَطم وجه عبدٍ له ( اعلَمْ أبا مسعود، اعلَمْ أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا ).
فالجملة بمنزلة التعليل لجملة ) ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ( إلى قوله :( فقست قلوبهم ( ( الحديد : ١٦ ) لما تتضمنه تلك من التحريض على الخشوع


الصفحة التالية
Icon