" صفحة رقم ٤٠٦ "
وتندرج فيها أطوار المرء في الحياة المذكورة في قوله :( لعب ولهو ( إلى ) والأولاد ( كما يظهر بالتأمل.
وهذا التمثيل مع كونه تشبيه هيئة مركّبة بهيئةٍ مثلها هو صالح للتفريق ومقابلة أجزاء الهيئة المشبهة بأجزاء الهيئة المشبه بها، فيشبَّه أول أطوار الحياة وإقبالها بالنبات عقب المطر، ويشبّه الناس المنتفعون بإقبال الدنيا بناس زُراع، ويشبّه اكتمال أحوال الحياة وقوة الكهولة بهياج الزرع، ويشبّه ابتداء الشخوخة ثم الهرم وابتداء ضعف عمل العامل وتجارة التاجر وفلاحة الفلاح باصفرار الزرع وتهيئه للفناء، ويشبه زوال ما كان للمرء من قوة ومال بتحطم الزرع.
ويفهم من هذا أن ما كان من أحوال الحياة مقصوداً لوجه الله فإنه من شؤون الآخرة فلا يدخل تحت هذا التمثيل إلا ظاهراً. فأعمال البِر ودراسة العلم ونحو ذلك لا يعتريها نقصٌ ما دام صاحبها مقبلاً عليها، وبعضها يزداد نماء بطول المدة، وتقدم نظير هذه الآية في سورة الزمر.
كان ذكر حال الحياة الدنيا مقتضياً ذكر مقابلة على عادة القرآن، والخبرُ مستعمل في التحذير والتحريض بقرينة السياق، ولذلك لم يبين أصحاب العذاب وأصحاب المغفرة والرضوان لظهور ذلك.
وكنِيَ عن النعيم بمغفرة من الله ورضوان لأن النعيم قسمان مادي وروحاني، فالمغفرةَ والرضوان أصل النعيم الروحاني كما قال تعالى :( ورضوان من الله أكبر ( ( التوبة : ٧٢ ) وهما يقتضيان النعيم الجسماني لأن أهل الجنة لما ركبت ذواتهم من أجسام وأودعت فيها الأرواح كان النعيمان مناسبين لهم تكثيراً للذات، وما لذة الأجسام إلا صائرة إلى الأرواح لأنها المدركة اللذات، وكان رضوان الله يقتضي إعطائهم منتهى ما به التذاذهم، ومغفرته مقتضية الصفح عما قد يعوق عن بعض ذلك.


الصفحة التالية
Icon