" صفحة رقم ٤٢٢ "
وجعل في الكشاف ( النون جائية من وصف رُهبان مثل نون خشيان من خشي والمبالغة هي هي، إلا أنها مبالغة في الوصف لا في شدة النسبة.
والهاء هاء تأنيث بتأويل الاسم بالحالة وجعل في ( الكشاف ) الهاء للمرة.
وأما اسم الراهب الذي نسبت إليه الرهبانية فهو وصف عومل معاملة الاسم، وهو العابد من النصارى المنقطع للعبادة، وهو وصف مشتق من الرهَب : أي الخوف لأنه شديد الخوف من غضب الله تعالى أو من مخالفة دين النصرانية. ويلزم هذه الحالة في عرف النصارى العزلة عن الناس تجنباً لما يشغل عن العبادة وذلك بسكنى الصوامع والأديرة وترك التزوج تجنباً للشواغل، وربما أوجبت بعض طوائف الرهبان على الراهب تَرك التزوج غلوا في الدين.
وجعل في ( الكشاف ) : الرهبانية مشتقة من الرهب، أي الخوف من الجبابرة، أي الذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام من اليهود، وأن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعيسى فقاتلوهم ثلاث مرات فَقُتِلوا حتى لم يبق منهم إلا القليل، فخافوا أن يفتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية وهي ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين اه.
وأول ما ظهر اضطهاد أتباع المسيح في بلاد اليهودية، فلما تفرق أتباع المسيح وأتباعهم في البلدان ناواهم أهل الإِشراك والوثنية من الروم حيث حلّوا من البلاد التابعة لهم فحدثت فيهم أحوال من التقية هي التي دعاها صاحب ( الكشاف ) بمقاتلة الجبابرة.
فالراهب يمتنع من التزوج خيفة أن تشغله زوجه عن عبادته، ويمتنع من مخالطة الأصحاب خشية أن يلهوه عن العبادة، ويترك لذائذ المآكل والملابس خشية أن يقع في اكتساب المال الحرام، ولأنهم أرادوا التشبه بعيسى عليه السلام في الزهد في الدنيا وترك التزوج، فلذلك قال الله تعالى :( ابتدعوها (، أي أحدثوها فإن الابتداع الإِتيان بالبدعة والبِدَععِ وهو ما لم يكن معروفاً، أي أحدثوها بعد رسولهم فإن البدعة ما كان محدثاً بعد صاحب الشريعة.
ونصب ) رهبانية ( على طريقة الاشتغال. والتقدير : وابتدعوا رهبانية