" صفحة رقم ٤٣٢ "
ويرد على هذا التفسير ما ورد على الذي قبله لأن علم أهل الكتاب لا يحصل بإخبار القرآن لأنهم يكذبون به.
وأنا أرى أن دعوى زيادة ( لا ) لا داعي إليها، وأن بقاءها على أصل معناها وهو النفي متعينّ، وتجعل اللام للعاقبة، أي أعطيناكم هذا الفضل وحرم منه أهل الكتاب، فبقي أهل الكتاب في جهلهم وغرورهم بأن لهم الفضل المستمر ولا يحصل لهم علم بانتفاء أن يكونوا يملكون فضل الله ولا أن الله قد أعطى الفضل قوماً آخرين وحَرمَهَم إيّاه فينسون أن الفضل بيد الله، وليس أحد يستحقه بالذات.
وبهذا الغرور استمروا على التمسك بدينهم القديم، ومعلوم أن لام العاقبة أصلها التعليل المجازي كما علمته في تفسير قوله تعالى :( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً في سورة القصص.
وقوله : أهل الكتاب ( يجوز أن يكون صادقاً على اليهود خاصة إن جعل التعليل تعليلاً لمجموع قوله :( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ( ( الحديد : ٢٧ ) وقوله :( يؤتكم كفلين من رحمته ( ( الحديد : ٢٨ ).
ويجوز أن يكون صادقاً على اليهود والنصارى إن جعل لام التعليل علة لقوله :( يؤتكم كفلين من رحمته ).
و ( أن ) من قوله :( أن لا يقدرون ( مخفّفة من ( أنَّ ) واسمها ضمير شأن محذوف.
والمعنى : لا تكترثوا بعدم علم أهل الكتاب بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله وبأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، أي لا تكترثوا بجهلهم المركب في استمرارهم على الاغترار بأن لهم منزلة عند الله تعالى فإن الله عالم بذلك وهو خلقهم فهم لا يقلعون عنه، وهذا مثل قوله تعالى :( ختم الله على قلوبهم ( في سورة البقرة