" صفحة رقم ٥٣ "
فظل العذارى يرتَمينَ بلَحْمِها
وشحم كهُدَّاب الدمقس المفتَّل
والكأس : إناء تشربَ فيه الخمر لا عروة له ولا خرطوم، وهو مؤنث، فيجوز أن يكون هنا مراداً به الإِناء المعروف ومراداً به الجنس، وتقدم قوله في سورة الصافات ) يطاف عليهم بكأس من معين (، وليس المراد أنهم يشربون في كأس واحدة بأخذ أحدهم من آخر كأسه. ويجوز أن يراد بالكأس الخمر، وهو من إطلاق اسم المحل على الحالّ مثل قولهم : سَال الوادي وكما قال الأعشى :
نازعتُهم قضُب الريحان ( البيت السابق آنفاً ).
وجملة ) لا لغو فيها ولا تأثيم ( يجوز أن تكون صفة ل ( كأس ) وضمير ) لا لغو فيها ( عائداً إلى ( كأس ) ووصف الكأس ب ) لا لغو فيها ولا تأثيم ). إن فُهم الكأس بمعنى الإِناء المعروف فهو على تقدير : لا لغو ولا تأثيم يصاحبها، فإن ( في ) للظرفية المجازية التي تؤوّل بالملابسة، كقوله تعالى :( وجاهدوا في اللَّه حق جهاده ( ( الحج : ٧٨ ) وقول النبي ( ﷺ ) ( ففيهما أي والديك فجاهد )، أي جاهد ببرهما، أو تُأوَّل ( في ) بمعنى التعليل كقول النبي ( ﷺ ) ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً ).
وإن فهم الكأس مراداً به الخمر كانت ( في ) مستعارة للسببية، أي لا لغو يقع بسبب شربها. والمعنى على كلا الوجهين أنها لا يخالط شاربيها اللغوُ والإِثم بالسباب والضرب ونحوه، أي أن الخمر التي استعملت الكأس لها ليست كخمور الدنيا، ويجوز أن تكون جملة ) لا لغو فيها ولا تأثيم ( مستأنفة ناشئة عن جملة ) يتنازعون فيها كأساً (، ويكون ضمير ) فيها ( عائداً إلى ) جنات ( من قوله :( إن المتقين في جنات ( ( الطور : ١٧ ) مثل ضمير ) فيها كأساً (، فتكون في الجملة معنى التذييل لأنه إذا انتفى اللغو والتأثيم عن أن يكونا في الجنة انتفى أن يكونا في كأس شُرب أهل الجنة.
ومثل هذين الوجهين يأتي في قوله تعالى :( إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً (


الصفحة التالية
Icon