" صفحة رقم ٦٤ "
يجهل ما فيه من فساد : أعَاقِلٌ أنت ؟ أو هذا لا يفعله عاقل بنفسه، ومنه ما حكى الله عن قوم شعيب من قولهم له :( إنك لأنت الحليم الرشيد ( ( هود : ٨٧ ).
والحلم : العقل، قال الراغب : المانعُ من هيجان الغضب. وفي ( القاموس ) هو الأناة. وفي ( معارج النور ) : والحلم ملكة غريزية تُورث لصاحبها المعاملة بلطف ولين لمن أساء أو أزعج اعتدال الطبيعة.
ومعنى إنكار أن تأمرهم أحلامهم بهذا أن الأحلام الراجحة لا تأمر بمثله، وفيه تعريض بأنهم أضاعوا أحلامهم حين قالوا ذلك لأن الأحلام لا تأمر بمثله فهم كمن لا أحلام لهم وهذا تأويل ما روي أن الكافر لا عقل له. قالوا وإنما للكافر الذهن والذهن يقبل العِلم جملة، والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لِحدود الأمر والنهي.
والأمر في ) تأمرهم ( مستعار للباعث، أي تبعثهم أحلامهم على هذا القول.
إضرابُ انتقالي أيضاً متصل بالذي قبله انتقل به إلى استفهام عن اتصافهم بالطغيان. والاستفهام المقدر مستعمل : إما في التشكيك ليكون التشكيك باعثاً على التأمل في حالهم فيؤمن بأنهم طاغون، وإمّا مستعمل في التقرير لكل سامع إذ يجدهم طاغين.
وإقحام كلمة ) قوم ( يمهّد لكون الطغيان من مقومات حقيقة القومية فيهم، كما قدمناه في قوله تعالى :( لآيات لقوم يعقلون ( في سورة البقرة، أي تأصل فيهم الطغيان وخالط نفوسهم فدفعهم إلى أمثال تلك الأقوال.


الصفحة التالية
Icon