" صفحة رقم ٧٤ "
لما جرى نفي أن تكون لهم مطالعة الغيب من الملأ الأعْلى إبطالاً لمقالاتهم في شؤون الربوبية أعقب ذلك بإبطال نسبتهم لله بنات استقصاء لإِبطال أوهامهم في المغيبات من العالم العلوي، فهذه الجملة معترض بين جملة ) أم لهم سلم ( ( الطور : ٣٨ ) وجملة ) أم تسألهم أجراً ( ( الطور : ٤٠ )، ويقدر الاستفهام إنكاراً لأن يكون لله البنات.
ودليل الإِنكار في نفس الأمر استحالة الولد على الله تعالى ولكن لمَّا كانت عقول أكثر المخاطبين بهذا الرد غيرَ مستعدة لإِدراك دليل الاستحالة، وكان اعتقادهم البنات لله منكراً، تُصدِّيَ لدليل الإِبطال وسُلِك في إبطاله دليل إقناعي يتفطنون به إلى خطل رأيهم وهو قوله :( ولكم البنون ).
فجملة ) ولكم البنون ( في موضع الحال من ضمير الغائب، أي كيف يكون لله البنات في حال أن لكم بنين وهم يعلمون أن صنف الذكور أشرف من صنف الإِناث على الجملة كما أشار إليه قوله تعالى :( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى ( ( النجم : ٢١، ٢٢ ). فهذا مبالغة في تشنيع قولهم فليس المراد أنهم لو نسَبوا لله البنين لكان قولهم مقبولاً لأنهم لم يقولوا ذلك فلا طائل تحت إبطاله.
وتغيير أسلوب الغيبة المتبع ابتداء من قوله :( أم يقولون شاعر ( ( الطور : ٣٠ ) إلى أسلوب الخطاب التفات مكافحة لهم بالرد بجملة الحال.
وتقديم ) لكم ( على ) البنون ( لإِفادة الاختصاص، أي لكم البنون دونه فهم لهم بنون وبنات، وزعموا أن الله ليس له إلا البنات.
وأما تقديم المجرور على المبتدأ في قوله :( أم له البنات ( فللاهتمام باسم الجلالة وقد أنهي الكلام بالفاصلة لأنه غرض مستقل.


الصفحة التالية
Icon