" صفحة رقم ٧٨ "
وإطلاق اسم الكيد على ما يجازيهم الله به عن كيدهم من نقض غزلهم إطلاقٌ على وجه المشاكلة بتشبيه إمهال الله إياهم في نعمة إلى أن يقع بهم العذاب بفعل الكائد لغيره، وهذا تهديد صريح لهم، وقد تقدم قوله :( ويمكرون ويمكر اللَّه واللَّه خير الماكرين ( في سورة الأنفال. ومن مظاهر هذا التهديد ما حلّ بهم يوم بدر على غير ترقب منهم.
والقول في تفريع ) فالذين كفروا هم المكيدون ( كالقول في تفريع قوله :( فهم من مغرم مثقلون ( ( الطور : ٤٠ ).
هذا آخر سهم في كنانة الرد عليهم وأشد رمي لشبح كفرهم، وهو شبح الإِشراك وهو أجمع ضلال تنضوي تحته الضلالات وهو إشراكهم مع الله آلهة أخرى.
فلما كان ما نُعي عليهم من أول السورة ناقضاً لأقوالهم ونواياهم، وكان ما هم فيه من الشرك أعظم لم يترك عَد ذلك عليهم مع اشتهاره بعد استيفاء الغرض المسوق له الكلام بهذه المناسبة، ولذلك كان هذا المنتقل إليه بمنزلة التذييل لما قبله لأنه ارتقاء إلى الأهم في نوعه والأهم يشبه الأعم فكان كالتذييل، ونظيره في الارتقاء في كمال النوع قوله تعالى :( فك رقبة أو إطعام إلى قوله : ثم كان من الذين آمنوا ( ( البلد : ١٣ ١٧ ) الآية.
وقد وقع قوله :( سبحان الله عما يشركون ( إتماماً للتذييل وتنهية المقصود من فضح حالهم.
وظاهر أن الاستفهام المقدر بعد ) أم ( استفهام إنكاري. واعلم أن الآلوسي نقل عن ( الكشف على الكشاف ) كلاماً في انتظام الآيات من قوله تعالى :( يقولون شاعر ( إلى قوله :( أم لهم إلاه غير الله ( فيه نُكتٌ وتدقيق فانظره.


الصفحة التالية
Icon