" صفحة رقم ١١٩ "
وابتدىء في هذه الصفات العلية بصفة الوحدانية وهي مدلول ) الذي لا إلاه إلا هو ( وهي الأصل فيما يتبعها من الصفات. ولذلك كثر في القرآن ذكرها عقب اسم الجلالة كما في آية الكرسي، وفاتحة آل عمران.
وثني بصفة ) عالم الغيب ( لأنها الصفة التي تقتضيها صفة الإِلاهية إذ علم الله هو العلم الواجب وهي تقتضي جميع الصفات إذ لا تتقوّم حقيقة العلم الواجب إلا بالصفات السَّلبية، وإذْ هو يقتضي الصفات المعنوية، وإنما ذكر من متعلقات علمه أمور الغيب لأنه الذي فارق به علمُ الله تعالى علمَ غيره، وذكر معه علم الشهادة للاحتراس تَوهُّم أنه يعلم الحقائق العالية الكلية فقط كما ذهب إليه فريق من الفلاسفة الأقدمين ولأن التعريف في ) الغيب والشهادة ( للاستغراق. أي كل غيب وشهادة، وذلك مما لا يشاركه فيه غيره. وهو علم الغيب والشهادة، أي الغائب عن إحساس الناس والمشاهد لهم. فالمقصود فيهما بمعنى اسم الفاعل، أي عالم ما ظهر للناس وما غاب عنهم من كل غائب يتعلق به العلم على ما هو عليه.
والتعريف في ) الغيب والشهادة ( للاستغراق الحقيقي.
وفي ذكر الغيب إيماء إلى ضلال الذين قصَروا أنفسهم على المشاهدات وكفروا بالمغيبات من البعث والجزاء وإرسال الرسل، أمّا ذكر علم الشهادة فتتميم على أن المشركين يتوهمون الله لا يطلع على ما يخفونه. قال تعالى :( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم إلى قوله : من الخاسرين ( ( فصلت : ٢٢، ٢٣ ).
وضمير ) هو الرحمن الرحيم ( ضمير فصل يفيد قصر الرحمة عليه تعالى لعدم الاعتداد برحمة غيره لقصورها قال تعالى :( ورحمتي وسعت كل شيء ( ( الأعراف : ١٥٦ ). وقال النبي ( ﷺ ) ( جعل الله الرحمة في مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً. فمن ذلك الجُزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشيةَ أن تصيبه ). وقد تقدم الكلام على ) الرحمن الرحيم في سورة الفاتحة.
ووجه تعقيب صفة عموم العلم بصفة الرحمة أن عموم العلم يقتضي أن لا يغيب عن علمه شيء من أحوال خلقه وحاجتهم إليه، فهو يرحم المحْتاجين إلى


الصفحة التالية
Icon