" صفحة رقم ١٢ "
معنى البعد إذ هو قد كان طلاقاً والطلاق يبعد أحد الزوجين من الآخر، فاجتلب له حرف الابتداء. كما يقال : خرج من البلد.
وقد تبين أن المتعارف في صيغة الظهار أن تشتمل على ما يدل على الزوجة والظهر والأم دون التفات إلى ما يربط هذه الكلمات الثلاث من أدوات الربط من أفعال وحروف نحو : أنتتِ عليّ كظهر أمّي، وأنتتِ مِنّي مثل ظهر أمي، أو كوني لي كظهر أمي، أو نحو ذلك.
فأما إذا فُقِد بعض الألفاظ الثلاثة أو جميعها. نحو : وجهُك عليّ كظهر أمي. أو كجَنب أمّي، أو كظهر جدتي، أو ابنتي، من كل كلام يفيد تشبيه الزوجة، أو إلحاقها بإحدى النساء من مَحارِمِه بقصد تحريم قربانها، فذلك كله من الظهار في أشهر أقوال مالك وأقواللِ أصحابه وجمهور الفقهاء، ولا ينتقل إلى صيغة الطلاق أو التحريم لأن الله أراد التوسعة على الناس وعدمَ المؤاخذة.
ولم يُشِر القرآن إلى اسم الظهر ولا إلى اسم الأم إلا مراعاة للصيغة المتعارفة بين الناس يومئذٍ بحيث لا ينتقل الحكم من الظهار إلى صيغة الطلاق إلا إذا تجرد عن تلك الكلمات الثلاث تجرداً واضحاً.
والصور عديدة وليست الإِحاطة بها مفيدة، وذلك من مجال الفتوى وليس من مهيع التفسير.
وجملة ) ما هن أمهاتهم ( خبر عن ) الذين (، أي ليس أزواجهم أمهات لهم بقول أحدهم : أنت عليّ كظهر أمّي، أي لا تصير الزوج بذلك أمًّا لقائل تلك المقالة.
وهذا تمهيد لإِبطال أثر صيغة الظهار في تحريم الزوجة، بما يشير إلى أن الأمومةَ حقيقةٌ ثابتة لا تُصنع بالقول إذ القول لا يبدل حقائق الأشياء، كما قال تعالى في سورة الأحزاب :( ذلكم قولكم بأفواهكم ولذلك أعقب هنا بقوله : إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ( أي فليست الزوجاتُ المظاهَرُ منهن بصائرات أمهات بذلك الظهار لانعدام حقيقة الأمومة منهن إذ هن لم يلدن القائلين : أنتتِ عليّ كظهر أمي، فلا يحرمْن عليهم، فالقصر في الآية حقيقي، أي فالتحريم بالظهار أمر باطل لا يقتضيه سبب يؤثِّر إيجاده.


الصفحة التالية
Icon