" صفحة رقم ١٣٧ "
قال في ( الكشاف ) في قوله تعالى :( إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها في سورة الفرقان و ( لولا ) في مثل هذا الكلام جارٍ من حيث المعنى لا من حيث الصنعة مَجرى التقييد للحكم المطلق. وقال هنا إن كنتم خرجتم ( متعلق ب ) لا تتخذوا ( وقول النحويين في مثله على أنه شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه. اه. يعني أن فرقاً بين كلام النحويين وبين ما اختاره هُو مِنْ جَعْله متعلقاً ب ) لا تتخذوا ( فإنه جعل جواب الشرط غير منوي. قلت : فينبغي أن يعد كلامه من فروق استعمال الشروط مثل فروق الخبر وفروق الحال المبوب لكليهما في كتاب ( دلائل الإِعجاز ). وكلام النحاة جرى على غالب أحوال الشروط التي تتأخر عن جوابها نحو : اقبَل شفاعة فلان إنْ شَفِع عندك، وينبغي أن يتطلب لتقديم ما يدل على الجواب المحذوف إذَا حذف نكتة في غير ما جرى على استعمال الشرط بمنزلة التذييل والتتميم.
وأداة الشرط في مثله تشبه ) إنْ ( الوصلية و ( لو ) الوصلية، ولذلك قال في ( الكشاف ) هنا : إن جملة ) إن كنتم خرجتم ( متعلقة ب ) لا تتخذوا ( يعني تعلقَ الحال بعاملها، أي والحال حالُ خروجكم في سبيل الله وابتغائكم مَرضاتَه بناء على أن شرط ) إن ). و ( لو ) الوصليّتين يعتبر حالاً. ولا يعكر عليه أن شرطهما يقترن بواو الحال لأن ابن جنّي والزمخشري سوّغا خلوَّ الحال في مثله عن الواو والاستعمال يشهد لهما.
والمعنى : لا يقع منكم اتخاذ عدوي وعدوكم أولياء ومودّتهم، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الحق، وأخرجوكم لأجل إيمانكم. إن كنتم خرجتم من بلادكم جهاداً في سبيلي وابتغاءَ مرضاتي، فكيف تُوالون من أخرجوكم وكان إخراجهم إياكم لأجلي وأنا ربكم.
والمراد بالخروج في قوله :( إن كنتم خرجتم ( الخروج من مكة مهاجَرة إلى المدينة. فالخطاب خاص بالمهاجرين على طريقة تخصيص العموم في قوله تعالى :( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( روعي في هذا التخصيص قرينة سبب نزول الآية على حادث حاطب بن أبي بلتعة.
و ) جهاداً (، و ) ابتغاءَ مرضاتي ( مصدران منصوبان على المفعول لأجله.