" صفحة رقم ١٨٢ "
فلما أراد الله تعالى إعداد البشر لقبول رسالة هذا الرسول العظيم الموعود به ( ﷺ ) استودعهم أشراطه وعلاماته على لسان كل رسول أرسله إلى الناس. قال تعالى :( وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( ( آل عمران : ٨١، ٨٢ ) أي أأخذتم إصري من أُممكم على الإِيمان بالرسول الذي يجيء مصدقاً للرسل. وقوله :( فاشهدوا ( ( آل عمران : ٨١ )، أي على أُممكم وسيجيء من حكاية كلام عيسى في الإِنجيل ما يشرح هذه الشهادة.
وقال تعالى في خصوص ما لَقّنه إبراهيمَ عليه السلام ) ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ( ( البقرة : ١٢٩ ) الآية.
وأوصى به عيسى عليه السلام في هذه الآية وصية جامعة لما تقدمها من وصايا الأنبياء وأجملها إجمالاً على طريق الرمز. وهو أسلوب من أساليب أهل الحكمة والرسالة في غير بيان الشريعة، قال السّهروردي : في تلك حكمة الإِشراق ( وكلمات الأوَّلين مرموزة ) فقال قطب الدين الشيرازي في ( شرحه ) :( كانوا يرمزون في كلامهم إما تشحيذاً للخاطر باستكداد الفكر أو تشبهاً بالباري تعالى وأصحاببِ النواميس فيما أتوا به من الكتب المنزلة المرموزة لتكون أقرب إلى فهم الجمهور فينتفع الخواصّ بباطنها والعوام بظاهرها. ا هـ )، أي ليتوسمها أهل العلم من أهل الكتاب فيتحصل لهم من مجموع تفصيلها شمائل الرسول الموعود به ولا يلتبس عليهم بغيره ممن يدّعي ذلك كذباً. أو يدّعيه له طائفة من الناس كذباً أو اشتباهاً.
ولا يحمل قوله :( اسمه أحمد ( على ما يتبادر من لفظ اسم من أنه العلَم المجهول للدلالة على ذات معيَّنة لتميزه من بين من لا يشاركها في ذلك الاسم لأن هذا الحمل يمنع منه وأنه ليس بمطابق للواقع لأن الرسول الموعود به لم يدعه الناسُ أحمد فلم يكن أحد يدعو النبي محمداً ( ﷺ ) باسم أحمد لا قبل نبوته ولا بعدها ولا يعْرف ذلك.
وأما ما وقع في ( الموطأ ) و ( الصحيحين ) عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن


الصفحة التالية
Icon