" صفحة رقم ١٨٨ "
فالمراد من هذا الاستفهام هم الذين كذبوا النبي ( ﷺ ) ولذلك عطف هذا الكلام بالوَاو ودون الفاء لأنه ليس مفرعاً على دعوة عيسى عليه السلام.
وقد شمل هذا التشنيع جميع الذين كذبوا دعوة النبي ( ﷺ ) من أهل الكتابين والمشركين.
والمقصود الأول هم أهل الكتاب، وسيأتي عند قوله تعالى :( يريدون ليطفئوا نور الله ( إلى قوله :( ولو كره المشركون ( ( الصف : ٨، ٩ ) فهما فريقان.
والاستفهام ب ) من أظلم ( إنكار، أي لا أحد أظلم من هؤلاء فالمكذبون مِن قبلهم، إما أن يكونوا أظلم منهم وإمّا أن يساووهم على كل حال، فالكلام مبالغة.
وإنما كانوا أظلم الناس لأنهم ظلموا الرسول ( ﷺ ) بنسْبِته إلى ما ليس فيه إذ قالوا : هو ساحر، وظلموا أنفسهم إذ لم يتوخوا لها النجاة، فيعرضوا دعوة الرسول ( ﷺ ) على النظر الصحيح حتى يعلموا صدقه، وظلموا ربهم إذ نسبوا ما جاءهم من هديه وحجج رسوله ( ﷺ ) إلى ما ليس منه فسموا الآيات والحجج سحراً، وظلموا الناس بحملهم على التكذيب وظلموهم بإخفاء الأخبار التي جاءت في التوراة والإِنجيل مُثبتة صدق رسول الإِسلام ( ﷺ ) وكمل لهم هذا الظلم بقوله تعالى :( والله لا يهدي القوم الظالمين (، فيعلم أنه ظلم مستمر.
وقد كان لجملة الحال ) وهو يدعى إلى الإسلام ( موقع متين هنا، أي فعلوا ذلك في حين أن الرسول يدعوهم إلى ما فيه خيرهم فعَاضوا الشكر بالكفر.
وإنما جُعل افتراؤهم الكذب على الله لأنهم كذبوا رسولاً يخبرهم أنه مرسل من الله فكانت حُرمة هذه النسبة تقتضي أن يُقبلوا على التأمل والتدبر فيما دعاهم إليه ليصلوا إلى التصديق، فلما بادروها بالإِعراض وانتحلوا للداعي صفات النقص كانوا قد نسبوا ذلك إلى الله دون توقير.
فأما أهل الكتاب فجحدوا الصفات الموصوفة في كتابهم كما قال تعالى فيهم ) ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله في سورة البقرة. وذلك افتراء.
وأما المشركون فإنهم افتروا على الله إذ قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ( ( الأنعام : ٩١ ).


الصفحة التالية
Icon