" صفحة رقم ٢١٧ "
تعارض مع اختلاف الأحوال والأزمان، فلو حصل لأحد يقين بالتعجيل إلى النعيم لتمنى الموت إلا أن تكون حياته لتأييد الدين كحياة الأنبياء.
فعلى الأول يحمل حال عُمَير بن الحُمَام في قوله :
جَرْياً إلى الله بغير زاد
وحال جعفر بن أبي طالب يوم مُوتَةَ وقد اقتحم صَفّ المشركين :
يَا حَبَّذا الجنةُ واقترابها
وقول عبد الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فَرْغغٍ تقذف الزبدا
المتقدمة في سورة البقرة لأن الشهادة مضمونة الجزاء الأحسن والمغفرة التامة.
وعلى الثاني يحمل قول النبي ( ﷺ ) لعائشة في تأويل قوله :( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ) إن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله فليس شيء أحبَّ إليه مما أمَامَه فأحَب لقاء الله. وقول موسى عليه السلام لملَك الموت :( فالآن ).
اعتراض بين جملتي القولين قصد به تحديهم لإِقامة الحجة عليهم أنهم ليسوا أولياء لله.
وليس المقصود من هذا معذرة لهم من عدم تمنيهم الموت وإنما المقصود زيادة الكشف عن بطلان قولهم :( نحن أبناء الله وأحباؤه ( ( المائدة : ١٨ ) وإثبات أنهم في شك من ذلك كما دل عليه استدلال القرآن عليهم بتحققهم أن الله يعذبهم بذنوبهم في قوله تعالى :( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم. وقد مرّ ذلك في تفسير سورة العقود.
والباء في بما قدمت أيديهم ( سببية متعلقة بفعل ) يتمنونه ( المنفي فما قدمت أيديهم هو سَبب انتفاء تمنيهم الموت ألقى في نفوسهم الخوف مما قدمت أيديهم فكان سبب صرفهم عن تمنّي الموت لتقدم الحجة عليهم.


الصفحة التالية
Icon