" صفحة رقم ٢٤١ "
لا يزالون يتوجّسون خيفة من أن ينكشف أمرهم عند المسلمين فهم في خوف وهلع إذا سمعوا صيحة في خصومة أو أنشدت ضالة خشُوا أن يكون ذلك غارة من المسلمين عليهم للإِيقاع بهم.
و ) كلّ ( هنا مستعمل في معنى الأكثر لأنهم إنما يتوجّسون خوفاً من صيحات لا يعلمون أسبابها كما استعمله النابغة في قوله :
بها كل ذيَّال وخنساءَ ترعوي
إلى كُلّ رَجَّاف من الرمل فارد
وقوله :( عليهم ( ظرف مستقر هو المفعول الثاني لفعل ) يحسبون ( وليس متعلقاً ب ) صيحة ).
يجوز أن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملة ) يحسبون كل صيحة عليهم ( لأن تلك الجملة لغرابة معناها تثير سؤالاً عن سبب هلعهم وتخوفهم من كلّ ما يتخيَّل منه بأس المسلمين فيجاب بأن ذلك لأنهم أعداء ألِدّاءُ للمسلمين ينظرون للمسلمين بمرآة نفوسهم فكما هم يتربصون بالمسلمين الدوائر ويتمنون الوقيعة بهم في حين يظهرون لهم المودة كذلك يظنون بالمسلمين التربص بهم وإضمار البطش بهم على نحو ما قال أبو الطيب :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدَّق ما يعتاده من توهم
ويجوز أن تكون الجملة بمنزلة العلة لِجملة ) يحسبون كل صيحة عليهم ( على هذا المعنى أيضاً.
ويجوز أن تكون استئنافاً ابتدائياً لِذكر حالة من أحوالهم تهُم المسلمين معرفتُها ليترتب عليها تفريع ) فاحذرهم ( وعلى كل التقادير فنظم الكلام واف بالغرض من فضح دخائلهم.
والتعريف في ) العدو ( تعريف الجنس الدال على معيّن كمال حقيقة العدوّ فيهم، لأن أعدى الأعادي العدوّ المتظاهر بالموالاة وهو مداح وتحت ضلوعه الداء الدوي. وعلى هذا المعنى رتب عليه الأمر بالحذر منهم.


الصفحة التالية
Icon