" صفحة رقم ٢٤٦ "
هذا أيضاً من مقالاتهم في مجامعهم وجماعتهم يقولونها لإخوانهم الذين كانوا ينفقون على فقراء المسلمين تظاهراً بالإِسلام كأنهم يقول بعضهم لبعض تظاهَرْ الإِسلام بغير الإِنفاق مثل قولهم لمن يقول لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله، ولذلك عقبت بها. وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن قائل هذه المقالة عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول كما تقدم في طالعة تفسير هذه السورة فإسناد هذا القول إلى ضمير المنافقين لأنهم تقبلوه منه إذ هو رأس المنافقين أو فشا هذا القول بين المنافقين فأخذوا يبثونه في المسلمين.
وموقع الجملة الاستئناف الابتدائي المعْرببِ عن مكرهم وسوء طواياهم انتقالاً من وصف إعراضهم عند التقرب من الرسول ( ﷺ ) إلى وصف لون آخر من كفرهم وهو الكيد للدِّين في صورة النصيحة.
وافتتحت الجملة بضميرهم الظاهر دون الاكتفاء بالمستتر في ) يقولون ( معاملة لهم بنقيض مقصودهم فإنهم سَتروا كيدهم بإظهار قصد النصيحة ففضح الله أمرهم بمزيد التصريح، أي قد علمتُ أنكم تقولون هذا. وفي إظهار الضمير أيضاً تعريض بالتوبيخ كقوله تعالى :( أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ( ( ص : ٦٠ ). وليَكون للجملة الاسمية إفادةُ ثبات الخبر، وليكون الإِتيان بالموصول مشعراً بأنهم عرفوا بهذه الصّلة. وصيغة المضارع في ) يقولون ( يشعر بأنّ في هذه المقالة تتكرّر منهم لقصد إفشائها.
و ) من عند رسول الله ( من كانوا في رعايته مثل أهل الصُفّة ومن كانوا يَلحقون بالمدينة من الأعراب العُفاة أو فريق من الأعراب كان يموّنهم رسول الله ( ﷺ ) في غزوة بني المصطلق. روى البخاري عن زيد بن أرقم قال :( خرجنا مع النبي ( ﷺ ) في سفر أصاب الناسَ فيه شدة فقال عبد الله بن أُبَيّ : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ) وهذا كلام مَكر لأن ظاهره قصد الرفق برسول الله ( ﷺ ) من كلفة إنفاق الأعراب الذين ألمُّوا به في غزوة بني المصطلق، وباطنه إرادة إبعاد الأعراب عن تلقي الهدي النبوي وعن أن يتقوى بهم المسلمون أو تفرقُ فقراء المهاجرين لتضعف بتفرقهم بعض قوة المسلمين. وروايات حديث زيد مختلطة.
وقوله :( رسول الله ( يظهر أنه صدر من عبد الله بن أُبيّ ومن معه من


الصفحة التالية
Icon