" صفحة رقم ٢٥٤ "
وانتصب فعل ) فأصدق ( على إضمار ( أنْ ) المصدرية إضماراً واجباً في جواب الطلب.
وأما قوله :( وأكن ( فقد اختلف فيه القراء.
فأما الجمهور فقرأوه مجزوماً بسكون آخره على اعتباره جواباً للطلب مباشرة لعدم وجود فاء السببية فيه، واعتبار الواو عاطفة جملة على جملة وليست عاطفة مفرداً على مفرد. وذلك لقصد تضمين الكلام معنى الشرط زيادة على معنى التسبب فيغني الجزم عن فعل شرط. فتقديره : إنْ تؤخرْني إلى أجل قريب أَكُن من الصالحين، جمعاً بين التسبب المفاد بالفاء، والتعليق الشرطي المفاد بجزم الفعل.
وإذا قد كان الفعل الأول هو المؤثر في الفعلين الواقِع أحدهُما بعد فاء السببية والآخرُ بعد الواو العاطفة عليه. فقد أفاد الكلام التسبب والتعليق في كلا الفعلين وذلك يرجع إلى مُحسن الاحتباك. فكأنه قيل : لولا أخرتني إلى أجل قريب فَأَصَّدَّقَ وأكونَ من الصالحين. إن تؤخرني إلى أجل قريب أصَّدَّقْ وأكُنْ من الصالحين.
ومن لطائف هذا الاستعمال أن هذا السائل بعد أن حثَّ سؤالَه أعقبه بأن الأمر ممكن فقال : إن تؤخرني إلى أجل قريب أصَّدق وأكن من الصالحين. وهو من بدائع الاستعمال القرآني لقصد الإِيجاز وتوفير المعاني.
ووجَّه أبو علي الفارسي والزجاجُ قراءة الجمهور بجعل ) وأكن ( معطوفاً على محل ) فأصدق ). وقرأه أبو عمرو وحده من بين العشرة ) وأكونَ ( بالنصب والقراءة رواية متواترة وإن كانت مخالفة لرسم المصاحف المتواترة. وقيل : إنها يوافقها رسم مصحف أَبيّ بن كعب ومصحفُ ابن مسعود.
وقرأ بذلك الحسن والأعمش وابن محيض من القراءات غير المشهورة. ورويت عن مالك بن دينار وابن جبير وأبي رجاء. وتلك أقل شهرة.
واعتذر أبو عمرو عن مخالفة قراءته للمصحف بأن الواو حذفت في الخط اختصاراً يريد أنهم حذفوا صورة إشباع الضمة وهو الواو اعتماداً على نطق القارىء


الصفحة التالية
Icon