" صفحة رقم ٢٦٣ "
وأودع فيهم العقول التي تتوصل بالنظر السليم من التقصير وشوائب الهوى وغشاوات العناد إلى معرفة الله على الوصف اللائق به وخلق فيهم القُدرة على الأعمال الصالحة وغيرها المسماة عند الأشعري بالكسب وعند المعتزلة بقُدرة العبد ( والخلاف في التعبير ). وأرشدهم إلى الصلاح وحذرهم من الفساد، والله عالم بما يكتسبه كل أحد ولو شاء لصرف مقترف الفساد عن فعله ولكنه أوجد نُظُماً مرتبطاً بعضها ببعض ومنتشرة فقضت حكمته بالحفاظ على تلك النظم الكثيرة بأن لا يعوق سيرَها في طرائقها ولا يعطلَ عمَلها لأجل إصلاح أشخاص هم جزء من كلَ لأن النظُم العامة أعم فالحفاظ على اطرادها أصلح وأرجح، فلا تتنازل إرادة الله وقدرته إلى التدخل فيما سُمي بالكسب على أصولنا أو بالقدرة الحادثة على أصول المعتزلة، بل جعل بحكمته بين الخَلْققِ والكسب حاجزاً هو نظام تكوين الإِنسان بما فيه من إرادة وإدراك وقدرة، وقد أشار إلى هذا قوله :( والله بما تعملون بصير ( أي هو بصير به من قَبل أن تعملوه، وبعد أن عملتموه.
فالبصير : أريد به العالم عِلمَ انكشاف لا يقبل الخفاء فهو كعلم المشاهدة وهذا إطلاق شائع في القرآن لا سيما إذا أفردت صفة ) بصير ( بالذكر ولم تذكر معها صفة ( سميع ).
واصطلح بعض المتكلمين على أن صفة البصيرة : العالم بالمرْئيات. وقال بعضهم : هي تعلق العلم الإِلاهي بالأمور عند وقوعها. والحق أنها استعمالات مختلفة. وبهذا يتضح وجه الجمع بين ما يبدو من تعارض بين آيات القرآن وإخبارٍ من السنة فاجعلوه مِثالاً يُحتدى، وقولوا هكذا. هكذا.
وهو احتراس من أن يتوهم من تقسيمهم إلى فريقين أن ذلك رضى بالحالين كما حكي عن المشركين ) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( ( الزخرف : ٢٠ ).
وهو استطراد بطريق الكناية به عن الوعد والوعيد.
وشمل قوله :( بما تعملون ( أعمالَ القلوب كالإِيمان وهي المقصود ابتداء هنا.


الصفحة التالية
Icon