" صفحة رقم ٢٦٩ "
والباء للسببية فالجملة في موقع العلة. والضمير ضمير الشأن لقصد تهويل ما يفسر الضمير، وهو جملة ) كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( إلى آخرها.
والاستفهام في ) أبشر ( استفهام إنكار وإبطال فهم أحالوا أن يكون بشر مثلهم يهدون بشراً أمثالهم، وهذا من جهلهم بمراتب النفوس البشرية ومن يصطفيه الله منها، ويخلقه مضطلعاً بتبليغ رسالته إلى عباده. كما قال :( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( ( الفرقان : ٧ ) وجهلوا أنه لا يصلح لإِرشاد الناس إلا مَن هو من نوعهم قال تعالى :( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ( ( الإسراء : ٩٥ ) ولمَّا أحالوا أن يكون البشر أهلاً لهداية بشر مثله جعلوا ذلك كافياً في إعراضهم عن قبول القرآن والتدبر فيه.
والبشر : اسم جنس للإِنسان يصدق على الواحد كما في قوله تعالى :( قل إنما أنا بشر مثلكم ( ( الكهف : ١١٠ ) ويقال على الجمع كما هنا. وتقدم في قوله :( وقلن حاش لله ما هذا بشراً في سورة يوسف وفي سورة مريم عند قوله : فتمثل لها بشراً سوياً.
وتنكير بشر ( للنوعية لأن محط الإِنكار على كونهم يَهدونهم، هو نوعُ البشرية.
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لقصد تقوّي حكم الإِنكار، وما قالوا ذلك حتى اعتقدوه فلذلك أقدموا على الكفر برسلهم إذ قد اعتقدوا استحالة إرسال الله إياهم فجزموا بكذبهم في دعوى الرسالة فلذلك فرع عليه ) فكفروا وتولوا ).
والتولي أصله : الانصراف عن المكان الذي أنت فيه، وهو هنا مستعار للإِعراض عن قبول دعوة رسلهم، وتقدم عند قوله تعالى :( ثم توليتم من بعد ذلك في سورة البقرة.
واستغنى ( غَنِيَ فالسين والتاء للمبالغة كقوله :( أما من استغنى ( ( عبس : ٥ ). والمعنى : غَنِي الله عن إيمانهم قال تعالى :( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ( ( الزمر : ٧ ).
والواو واو الحال، أي والحال أن الله غني عنهم من زمن مضى فإن غنى الله عن إيمانهم مقرر في الأزل.


الصفحة التالية
Icon