" صفحة رقم ٢٨٤ "
فأيقظت هذه الآية المؤمنين لئلا يغرّهم أهل قرابتهم فيما توهم من جانب غرورهم فيكون ضرهم أشد عليهم وفي هذا الإيقاظ مصلحة للدين وللمسلمين ولذلك قال تعالى :( فاحذروهم ( ولم يأمر بأن يضروهم، وأعقبه بقوله :( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (، جمعاً بين الحذر وبين المسالمة وذلك من الحزم.
و ) مِن ( تبعيضية. وتقديم خبر ) إنَّ ( على اسمها للاهتمام بهذا الخبر ولما فيه من تشويق إلى الاسم ليتمكن مضمون هذا الخبر في الذهن أتم تمكن لما فيه من الغرابة والأهمية. وقد تقدم مثله عند قوله تعالى :( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر في سورة البقرة.
وعَدُوّ وصف من العداوة بوزن فَعول بمعنى فاعل فلذلك لزم حالة الإفراد والتذكير إذا كان وصفاً، وقد مضى ذلك عند قوله تعالى : فإن كان من قوم عدوّ لكم في سورة النساء. فأما إذا أريد منه معنى الاسمية فيطابق ما أجري عليه، قال تعالى : يكونوا لكم أعداء ( ( الممتحنة : ٢ ).
والإِخبار عن بعض الأزواج والأولاد بأنهم عدوٌّ يجوز أن يحمل على الحقيقة فإن بعضهم قد يضمر عداوة لزوجه وبعضهم لأبويه من جراء المعاملة بما لا يروق عنده مع خباثة في النفس وسوء تفكير فيصير عدوًّا لمن حقه أن يكون له صديقاً، ويكثر أن تأتي هذه العداوة من اختلاف الدين ومن الانتماء إلى الأعداء.
ويجوز أن يكون على معنى التشبيه البليغ، أي كالعدوّ في المعاملة بما هو من شأن معاملة الأعداء كما قيل في المَثَل : يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدوّ لعدوّه. وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.
وعُطف على قوله :( فاحذروهم ( جملة ) وإن تعفوا وتصفحوا ( إلى آخرها عَطف الاحتراس لأنه إذا كان العفو مطلوباً محبوباً إلى الله تعالى وهو لا يكون إلا بعد حصول الذنب فإن عدم المؤاخذة على مجرد ظنّ العداوة أجدر بالطلب ففهم النهي عن معاملة الأزواج والأبناء معاملةَ الأعداء لأجل إيجاس العداوة، بل المقصود من التحذير التوقِّي وأخذُ الحيطة لابتداء المؤاخذة، ولذلك قيل :( الحزم سوء الظن بالناس )، أي لكن دون أن يبنى على ذلك الظن معاملة من صدر منه ما ظننت


الصفحة التالية
Icon