" صفحة رقم ٣٠٨ "
والإمساك : اعتزام المراجعة عبر عنه بالإمساك للإيماء إلى أن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجة فيما عدا الاستمتاع فكأنه لما راجعها قد أمسكها أن لا تفارقه فكأنه لم يفارقها لأن الإِمساك هو الضن بالشيء وعدم التفريط فيه ومنه قوله تعالى : أمسك عليك زوجك ( ( الأحزاب : ٣٧ ) وأنه إذا لم يراجعها فكأنه قد أعاد فراقها وقسا قلبه.
ومن أجل هذه النكتة جعل عدم الإمساك فراقاً جديداً في قوله :( أو فارقوهن بمعروف ).
والأمر في ) فأمسكوهن ( ) أو فارقوهن ( للإِباحة، و ) أو ( فيه للتخيير.
والباء في ) بمعروف ( للملابسة أي ملابسة كل من الإِمساك والفراق للمعروف.
والمعروف : هو ما تعارفه الأزواج من حسن المعاملة في المعاشرة وفي الفراق.
فالمعروف في الإِمساك : حسن اللقاء والاعتذارُ لها عما فرط والعودُ إلى حسن المعاشرة.
والمعروف في الفراق : كف اللسان عن غِيبتها وإظهارِ الاستراحة منها.
والمعروف في الحالين من عمل الرَّجل لأنه هو المخاطب بالإِمساك أو الفراق.
وأما المعروف الذي هو من عمل المرأة فمقرر من أدلة أخرى كقوله تعالى :( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ( ( البقرة : ٢٢٨ ).
وتقديم الإِمساك أعني المراجعة على إمضاء المفارقة، إيماء إلى أنه أرضى لله تعالى وأَوفَقُ بمقاصد الشريعة مع ما تقدم من التعبير عن المراجعة بالإمساك، ففهم أن المراجعة مندوب إليها لأن أبْغض الحلال إلى الله الطلاق.
ولمَّا قيد أمر الإباحة من قوله :( فأمسكوهن ( ) أو فارقوهن (، بقيد بالمعروف، فُهم منه أنّه إن كان إمساك دون المعروف فهو غير مأذون فيه وهو الإمساك الذي كان يفعله أهل الجاهلية أن يطلق الرجل امرأته فإذا قاربت انتهاء عدتها راجعها أياماً ثم طلقها يفعل ذلك ثلاثاً ليطيل عليها من العدة فلا تتزوج عدة أشهر إضراراً بها.
وقد تقدم هذا عند قوله تعالى :( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن، إلى قوله : ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا في سورة البقرة.