" صفحة رقم ٣٥٦ "
التفات من ذكر القصتين إلى موعظة من تعلقت بهما فهو استئناف خطاب وجهه الله إلى حفصة وعائشة لأن إنباء النبي ( ﷺ ) بعلمه بما أفشته القصد منه الموعظة والتحذير والإِرشاد إلى رأْب ما انثلم من واجبها نحو زوجها. وإذ قد كان ذلك إثماً لأنه إضاعة لحقوق الزوج وخاصة بإفشاء سرّه ذكَّرها بواجب التوبة منه.
وخطاب التّثنية عائدة إلى المنبئة والمنأبة فأمّا المنبئة فمعادها مذكور في الكلام بقوله :( إلى بعض أزواجه ( ( التحريم : ٣ ).
وأما المنبَّأة فمعادها ضمنيّ لأن فعل ) نبأت ( ( التحريم : ٣ ) يقتضيه فأما المنبَّئة فأمرها بالتوبة ظاهر. وأما المُذاع إليها فلأنها شريكة لها في تلقي الخبر السر ولأن المذيعة ما أذاعت به إليها إلا لعلمها بأنها ترغب في تطلع مثل ذلك فهاتان موعظتان لمذيع السرّ ومشاركة المذاع إليه في ذلك وكان عليها أن تنهاها عن ذلك أو أن تخبر زوجها بما أذاعته عنه ضرتها.
و ) صَغت ( : مالت، أي مالت إلى الخير وحق المعاشرة مع الزوج، ومنه سمي سماع الكلام إصغاء لأن المستمع يُميل سمعه إلى من يكلمه، وتقدم عند قوله تعالى :( ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة في سورة الأنعام. وفيه إيماء إلى أن فيما فعَلَتَاه انحرافاً عن أدب المعاشرة الذي أمر الله به وأن عليهما أن تتوبا مما صنعتاه ليقع بذلك صلاح ما فسد من قلوبهما.
وهذان الأدَبَان الثامن والتاسع من الآداب التي اشتملت عليها هذه الآيات.
والتوبة : الندم على الذنب، والعزم على عدم العودة إليه وسيأتي الكلام عليها في هذه السورة.
وإذْ كان المخاطب مثنَّى كانت صيغة الجمع في ( قلوب ) مستعملة في الاثنين طلباً لخفة اللفظ عند إضافته إلى ضمير المثنى كراهية اجتماع مثنيين فإن صيغة التثنية ثقيلة لقلة دورانها في الكلام. فلما أُمن اللبس ساغ التعبير بصيغة الجمع عن التثنية.


الصفحة التالية
Icon